IMLebanon

هل وعدت مصر روسيا بموطئ قدم بحري؟

يكمل الباحث الأميركي نفسه المتخصص بمصر ودول مشرقية عدة فيقول “إن فيها حكماً عسكرياً فعلياً وإنه يضيِّق على الحريّات. طبعاً لا تجوز معارضته لأنه يواجه الإرهاب في بلاده وخصوصاً في شبه جزيرة سيناء. لكن لا بد من دفعه إلى الالتفات إلى أمرين. الأول أن عدد الذين سقطوا في سيناء جرّاء المواجهة بلغ حتى الآن حوالى 1500 شخص بعضهم إرهابي وبعضهم الآخر مدني. فضلاً عن عدد كبير من المنازل قد تعرّض للهدم والتدمير، ولم يُعوّض على أصحابها حتى الآن وخصوصاً الذين منهم لا علاقة لهم بالإرهاب. ويفترض أن يدفع هذا الواقع الحكم المصري إلى اعتماد الدقّة في مواجهته لإرهاب سيناء وذلك كي تكون ناجحة، وكي لا تثير ردود فعل سلبية عليه الآن أو مستقبلاً. أما الأمر الثاني فهو الإرهاب الذي يواجهه الحكم نفسه داخل مصر أي في مدنها الكبرى كما في عمقها. وخطره كبير لأنه يتنامى باطراد بسبب الحدود المفتوحة بين مصر وكل من ليبيا والسودان، وسهولة تهريب الأسلحة والمقاتلين الإسلاميين المتشددين إليها. علماً أن الحدود المفتوحة المشار إليها لا يكفي وحده لتبرير “التهريب” المشار إليه. ذلك أن هناك عوامل أخرى تجعله سهلاً وبلا مخاطر منها التواطؤ ومنها الرشوات وما إلى ذلك”. وفي هذا المجال، يلفت الباحث نفسه إلى مسؤولية ما للحكم المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تزايد الإرهاب في بلاده وربما عن تفاقمه مستقبلاً إذا لم يُعِد النظر في استراتيجيته للمواجهة وفي بعض عناصر سياسته الداخلية. فهو ذهب بعيداً في حربه على “جماعة الإخوان المسلمين” وخصوصاً عندما صنّفها إرهابية، وساوى إرهابها بإرهاب “داعش” التي صارت موجودة في سيناء وفي قلب مصر مع تنظيمات أخرى. فهذه “الجماعة” أخطأت يوم تبوّأ سدة رئاسة الجمهورية المصرية واحد منها: إذ تصرّفت بطريقة لا تمتّ بصلة إلى المواقف التي أطلقتها في السابق، والتي وعدت فيها بعدم “أخونة” الحكم في مصر، وبعدم جعلها دولة ذات نظام ديني، وباحترام الديموقراطية والتعددية، وبعدم التدخّل في المؤسسة العسكرية لجعلها أداة تنفيذ سياسة سيطرتها على الدولة المصرية وشعبها. ودفعت ثمن الخطأ إذ قامت ثورة شعبية مليونية حماها الجيش أخرجتها من السلطة. لكن هذه “الجماعة” ليست حديثة الولادة والمنشأ. ولم تستخدم الإرهاب على النحو الذي نراه اليوم في المنطقة. علماً انها قامت بأعمال إرهابية فردية بعد تأسيسها مثل الاغتيال أو محاولات الاغتيال. ولم تكن في هذا الوارد. إلا أنها قد تكون أصبحت فيه بعد القمع الذي تعرّضت له ولا تزال. وهذا أمر على الرئيس السيسي الانتباه إليه. ذلك أن “الجماعة” العريقة تضم عناصر بمئات الألوف، وإذا قررت انتهاج الإرهاب ستصبح مصر جحيماً. والدليل على ذلك ان “الجماعة الإسلامية” “الإرهابية” أيام الرئيس حسني مبارك ضربت السياحة المصرية مدة من الزمن رغم صغر حجمها وقلّة عدد مناصريها قياساً إلى “الإخوان”. طبعاً لا يعني ذلك، يستطرد الباحث الاميركي نفسه، “وجود حالة شعبية عارمة مناهضة للحكم المصري ومؤيدة لـ”الإخوان”. فالشعب في مصر يريد العيش أي الحياة المستقرّة والآمنة و”العيش” أي الخبز، ولا يهتم كثيراً بالسياسة “والإخوان” وأعدائهم. ويبدو أن السيسي يعرف ذلك ويسعى بنجاح لتأمينه. فاقتصادياً اعتبر أن توسيع قناة السويس سيكون له مردود على البلاد وشعبها، وخصوصاً ثلثه الواقف على عتبة الفقر. واعتبر أن زيادة فرص العمل مهمة جداً. كما عالج بنجاح مشكلات صعبة مثل الكهرباء التي كادت أن “تجنن” المصريين. إذ أتى بشركات أجنبية وسلمها المنشآت الكهربائية فتحسن كثيراً جداً وضع التغذية الكهربائية للناس. لذلك قد لا يصبح السيسي قائداً تاريخياً حتى الآن على الأقل، لكن الناس لا يبدون مستعدين للنزول إلى الشارع ضده لأن المستفيدين سيكونون أعداءهم مثل “الإخوان” و”الفلول”. في اختصار، ينهي الباحث الأميركي نفسه “تشعر أميركا بقلّة ثقة في الحكم المصري أحياناً بسبب قلّة احترافه لا بسبب سوء نياته، فمثلاً أتى بالصينيين إلى بلاده لتنفيذ أعمال معيّنة لا تمس أميركا، لكنه سمح لهم بدخول “هنغارات” طائرات الـ”ف – 16″ الأميركية الصنع. وذلك خطأ مهم إذ يمكّن هؤلاء أو ربما مكّنهم من “تعزيز” معلوماتهم عنها. كما أنه وعد روسيا بموطئ قدم بحري في مصر مثل موطئ قدمها في طرطوس السوري. طبعاً قد لا يكون ذلك مخيفاً لأميركا وخطراً كبيراً عليها، لكنه مؤشّر يُقلق وقد يكون مثل “مسمار حجا” كما يقول العرب”.