المسيحيون ليسوا في أحسن أحوالهم في المنطقة فقد تآخوا مع الاضطهاد والقهر في معظم الحقبات التاريخية، وعلى الرغم من ذلك مارسوا صموداً عجزت عنه المجموعات التي فرض عليها القهر من قبل الاستعمار، الا أنهم باتوا على طريق الزوال كما حصل مع الهنود الحمر، ولولا اعتصامهم بالجبال والمسالك الوعرة لما استطاعوا الاستمرار في بلادهم التي اصبحوا فيها غرباء، بفعل الغزوات عبر التاريخ منذ الفتوحات الاسلامية مروراً بالمماليك ووصولاً الى العثمانيين الذين ارتكبوا الفظاعات بحق مدنهم ومدائنهم فتقلصت بطريركية انطاكية وسائر المشرق الى حدودها الحالية والتي يعتبر لبنان ركيزتها وآخر معقل للمسيحيين في الشرق المترامي في الظلامية بعدما بعث ابن تيمية حياً عبر تنظيمات تكفيرية فاقت جنكيزخان ووحشيته.
وفي هذا السياق أكدت أوساط مسيحية ان المسيحييين اقتلعوا من العراق على ايدي «تنظيم الدولة الاسلامية – داعش»ومن بقي حياً منهم هرب الى الخارج، وكذلك الأمر في سوريا حيث بات المسيحيون فلولاً ينحصر وجودهم في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش السوري ولكن المجريات لا تبشر بالخير كون المخطط الجهنمي الأميركي يهدف الى تحويل سوريا الى انقاض وخرائب ستؤدي بالنتيجة الى تقسيمها دويلات متناحرة لاراحة العدو الاسرائيلي، أما الوجود المسيحي في فلسطين المحتلة فيكاد ينحصر في أقلية من الرهبان كنواطير للأماكن المقدسة في البلد الذي ولد فيه السيد المسيح ومنه انطلق الرسل حاملين البشارة الى العالم.
وتشير الأوساط الى ان الوجود المسيحي في لبنان يمر بامتحان صعب وعسير فهذا البلد الذي انتزعه المسيحيون الموارنة من فرنسا ليكون بلداً للاقليات بات مهدداً لا سيما وأن اتفاق «الطائف» اطاح بصلاحيات رئيس الجمهورية وحوّل المركز الأول في الدولة الى صورة بروتوكولية معلقة في القصر الجمهوري وفي الادارات العامة وفق ما قاله الرئيس الراحل الياس الهراوي، ومع شغور الموقع اسقطت حتى الصورة بانتظار انتخاب رئيس عتيد للجمهورية لن يحصل في الامد المنظور وربما لن يحصل، وهذا الأمر هو ما يقلق البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي سارع قبل نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان الى اقتراح بقائه في بعبدا لتصريف الأعمال لحين تمرير الاستحقاق الرئاسي لكن اقتراحه جوبه بالرفض من قبل معظم الافرقاء، وكأن ما يصح لرئاسة الحكومة محرم على الرئاسة الأولى.
وتقول الاوساط ان الساحة المسيحية التي تشعر بخوف عميق من الحرائق في المنطقة والتي بدأت تلفح السلسلة الشرقية حيث حاول تنظيم «داعش» ويحاول اجتياح البلدات المسيحية كرأس بعلبك والقاع والبلدات الشيعية لاقامة «امارته الاسلامية»، فإن انظار المسيحيين شاخصة باتجاه الرابية ومعراب بانتظار صعود الدخان الابيض للقاء المرتقب بين الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع لترتيب اوضاع البيت المسيحي الذي يعاني من الشرذمة والتفكك في مرحلة احوج ما يكون فيها المسيحيون الى رص صفوفهم في وجه الاخطار المحدقة بهم وبلبنان، انطلاقاً من انتخاب رئيس للجمهورية لتثبيت اقدام الaمسيحيين على الرقعة السياسية، فإذا كان حوار «حزب الله» و«تيار المستقبل» خفض منسوب الاحتقان في الشارعين السني والشيعي فإن لقاء عون وجعجع سيعيد الثقة الى نفوس المسيحيين تضيف الاوساط، لأن الرجلين يمثلان في اتحادهما قوة لا تقهر مهما تعاظمت الاحداث في المنطقة، فهل ينجح النائب ابراهيم كنعان كممثل «للتيار الوطني الحر» ورئيس جهاز التواصل والاعلام في «القوات اللبنانية» ملحم رياشي في تعبيد الطريق بين الرابية ومعراب المليئة بالالغام، لا سيما وأن ما بين الجنرال والحكيم مساحات من الخصومة وصلت الى حدود الالغاء، فهل يستطيع كنعان ورياشي اصلاح ما أفسد الدهر بين القطبين المسيحيين، وهل «يموّن» جعجع عون مرة أخرى فيسحب ترشيحه ويوصله مرة أخرى الى بعبدا ويكون صانع الرؤساء كما فعل اثر نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل الذي غادر القصر وترك الجمهورية في المجهول، وهل يفيه عون جميله اذا حصل ذلك ام ان «حرب الالغاء» لا تزال في الذاكرة؟
ويبقى السؤال حول موقف الاطراف الاخرى في حال اتفق سيدا الرابية ومعراب على انجاز الاستحقاق الرئاسي لجهة قبولها او الرفض.. من المؤكد انه اذا حصل التوافق بين الرابية ومعراب فسيكون رفض الاطراف المحلية او الخارجية مجرد تفصيل لا يستطيع الوقوف في وجه مقاتلان في الحرب وفي السياسة.