Site icon IMLebanon

هل يصحح بوتين ما لا يصححه أوباما

  الآن وقد بدأت روسيا فلاديمير بوتين الحاضرة في المشهد السوري كما لم تكن على هذا الحضور من قبل، خطوة تكتيكية تمثلت عشية إنطلاق المحادثات السورية غير المباشرة في جنيف الثلاثاء 15 آذار/مارس 2016 بإعلان الرئيس بوتين بدء سحْب الجزء الرئيسي الأكبر من القوات الروسية المرابطة في سوريا، بات جائزاً الإفتراض أن القيصر الروسي رأى متأخراً أن التدخل الحربي المكروه في الأزمة السورية ترك إنطباعاً بأن روسيا في واقع الأمر جاءت غازية وتحت ذريعة نجدة نظام صديق وأن نجدتها تأخذ صفة وضْع اليد في معظم الأحيان على إتخاذ القرار كما يفعل النظام الإيراني مع الرئيس بشَّار، وفي ضوء بدء خطوة الإنسحاب تزامناً مع إنطلاق المحادثات في جنيف نرى أن بوتين الذي يخطط من أجل تمديد رئاسته ولاية جديدة، مطالُب بتوضيح ابعاد الخطوة وإثبات أنه صاحب نية طيبة ويريد إنقاذ سوريا مما إنتهت إليه. أما كيف يكون التعبير عن هذه النية فمن خلال التوقف نهائياً عن قصْف الطائرات الروسية لمواقع في مدن سورية يذهب ضحيتها المئات من الأبرياء، وتحضير نفسه لإعادة بناء ما تمّ تدميره.

كما أنه مطالَب في حال كان يتطلع إلى علاقة محترَمة مع العرب والمسلمين ويبدد الإنطباع بأنه جاء غازياً جواً وبحراً لسوريا الجريحة مضيفاً بغزوته هذه المزيد من النزْف إليها فضلاً عن إتساع مساحات الخراب ورفْع منسوب الهجرة والتهجير، بتصحيح الموقف الظالم الذي سبق أن إتخذه أسلافه الذين تعاقبوا على زعامة الإتحاد السوفياتي، مع ملاحظة أنه شخصياً لبضع سنوات من أحفاد تلك الحقبة وخدم في جهاز المخابرات لبضع سنوات سبقت إستقدام يلتسين له لكي يرثه ويتكتم على سوء رئاسته التي إختطفها من صانع الإنقلاب على النظام الماركسي غورباتشوف.

والموقف الظالم الذي نشير إليه داعين الرئيس بوتين إلى تصحيحه هو المتمثل بأن الإتحاد السوفياتي كان البادئ يوم 17 أيار/مايو 1948 في الإعتراف بالكيان الإسرائيلي مسارعاً قبل أميركا ترومان إلى تنفيذ وعْد بلفور بنزع فلسطين من أمتها العربية والإسلامية وإهدائها وطناً لليهود بات لاحقاً يحمل تسمية إسرائيل. ولقد شجعت مسارعة الكرملين الماركسي الإعتراف بالكيان المغتصِب دولاً أخرى على الإعتراف مثل بولندا، وتشيكوسلوفاكيا، ويوغسلافيا. ثم لحقت أميركا هاري ترومان ودول أوروبية بالكرملين المسارع المتسرع وبذلك يكون الكرملين البادئ الأظلم في النكبة الفلسطينية العربية – الإسلامية – المسيحية أما الذي من حق الأمتين على الرئيس بوتين القيام به لكي يُؤكّد أنه حريص على قضايانا وصداقتنا أكثر من أميركا، فهو في الحد الأقصى تعليق الإعتراف بإسرائيل إلى أن تلتزم بصيغة الحل على أساس الدولتيْن على نحو ما تعهَّد الرئيس أوباما ولم يفِ بوعده مصححاً بذلك أوزار الذين سبقوه من الرؤساء، أو على الأقل يتخذ كرملين بوتين موقفاً كالذي إتخذه الرئيس الأميركي الرابع والثلاثون إيزنهاور الذي وجَّه إنذاره الشهير إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لوقْف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ولو أن الذين حكموا من بعده تصرَّفوا على نحو مبدئيته لما كان لهذا التعنت الإسرائيلي يبقى على نحو ما هو عليه وتصل الحال برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي سيبقى مترئساً لبضع سنوات أُخرى إلى أن يستهين بمكانة الرئيس باراك أُوباما ويضطر هذا الأخير للرد على نتنياهو المتعالي في لقاء ساده التوتر بينهما قائلاً: «بيبي عليك أن تفهم شيئاً. أنا إبن أفرو- أميركي لأم وحيدة ربَّتني من دون أن يكون لها شريك. والآن أنا هنا في هذا البيت. أنا أسكن وأقيم في البيت الأبيض. لقد نجحتُ في أن أُنتخب رئيساً للولايات المتحدة وأنت تعتقد أنني لا أعرف عمّا تتحدث لكنني أفهم جيداً…».

لكن في أي حال إن مثل هذا الكلام لا يفيدنا كعرب في شيء وما فعله نتنياهو مع أوباما يمكن أن يكرره مع بوتين إذا كان لن يوضع حدّ لهذا المتعالي المعتدي، وإنما الذي كان سيفيد هو أن يكمل الرئيس أوباما ما بدأه في مخاطبة نتنياهو كأن يقول له ما معناه إنه إلتزم بعد فوزه مباشرة وإلقائه خطاباً مِن على منبر جامعة القاهرة بأن يعمل من أجل حل للصراع العربي – الإسرائيلي يقوم على صيغة الدولتين، وأنه متمسك بما وعد به وعلى نتنياهو وطاقم القيادة الليكودي الأخذ في الإعتبار، أنه كما هو، أي أوباما، ملتزم بالحفاظ على أمن إسرائيل فإنه في المقابل ملتزِم بصيغة الدولتيْن، تصحيحاً من جانبه لمن تربَّعوا من قبل في البيت الأبيض وكانت رئاستهم في إستمرار ممالئة للمعتدي الإسرائيلي على حساب الحق العربي.

ويبقى التساؤل: هل يفعل بوتين الذي يتطلع إلى ولاية رئاسية جديدة ما لم يفعله أوباما الذي سينصرف في الخريف المقبل؟.

… وللحديث بقية.