في ظلّ القراءات المتعددة لـ»عاصفة السوخوي» بجوانبها المختلفة يرى خبير عسكري لبناني بما يمتلكه من حسٍّ دبلوماسي أنّ الآلية المعتمَدة في وزارة الخارجية الروسية لمواكبة العمليات العسكرية وتبريرها تتناقض مع تلك المعتمَدة في وزارة الدفاع. إلّا أنهما يعكسان معاً الغموض في ما كلف به أو يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منها. لماذا وكيف؟
لم يشهد الخبراء العسكريون الذين تابعوا وقائع الأزمات الدولية الكبرى السابقة حيث كان الروس طرفاً فيها على تجربة روسية إعلامية أو دبلوماسية وعسكرية كتلك المعتمدة في الأزمة السورية منذ أن انطلقت «عاصفة السوخوي» قبل 29 يوماً. فلا التجربة الأفغانية ولا تلك التي جرت في دول الإتحاد السوفياتي السابق تشبه تلك الجارية اليوم.
ويعتقد أحد أبرز الخبراء العسكريين اللبنانيين أنّ الأسلوب الغربي الذي استنسخته القيادة الروسية بإتقان جعلها أقرب الى عقول الناس وقناعاتهم. وهو امر لم تعكسه ردات الفعل السورية الموالية فحسب بل تعدّته الى المجتمعات الغربية بمجرد أن أعلن أنّ هدفها ضرب الإرهاب الذي وصلت تردّداته السلبية الى العواصم الأوروبية بمجرد تدفّق اللاجئين اليها.
وجاءت بعكس ردات فعل أخرى سلبية سادت المجتمعات المناهضة للنظام السوري على خلفية الدور الإيراني فيها في ردّ فعل طبيعي لما كشفته الأجهزة الأمنية في بلدانهم من «عمليات تخريبية» ألبستها الى النظام الإيراني على أنها مسلّمات لا نقاش فيها.
ويضيف الخبير العسكري أنّ القيادة الروسية التي تمكّنت من أن تخفي عن الرأي العام العربي والغربي التحضيرات التي سبقت إعلان «حربها على الإرهاب» في سوريا ولحماية أمنها القومي فجر الأول من الشهر الجاري، فاجأت العالم في الأيام الأولى منها بأسلوب جديد بمجرد أن واكبت العملية العسكرية بحرب إعلامية ونفسية شاملة عبّرت عنها بأفلام موَثّقة من «تلفزيون الواقع» عن غاراتها ونوعية أسلحتها بما فيها صواريخها العابرة للقارات.
واللافت كان – بحسب الخبير نفسه – أنّ روسيا ظهرت في حربها كدولة عظمى متجاهلة مجلس الأمن والمؤسسات الإقليمية، وغير آبهة بحجم ودور الحلف الدولي الذي يشنّ حربه على «داعش» بتفاهم من 40 دولة من القارات الست.
وقد أطلقت العنان لأسراب طائراتها في الأجواء السورية من دون سابق إنذار قبل أن تقوم بعد بجولتها الأولى لتوزّع الإنذارات باتجاه إسرائيل ومن بعدها الى الأميركيين فالأتراك لحظر حركة طائراتها في منطقة عملياتها التي شملت الأراضي السورية كاملة في عرض قوّة لا سابق له وكأنها نالت تفويضاً دولياً أو أنّ ما تقوم به يتسّم بكلّ المعايير الدولية.
وفي مطلق الأحوال، ومن دون الإسترسال بالكثير من الوقائع، يرى الخبير العسكري أنّ موسكو تسعى بوسائلها الدبلوماسية الى التأكيد أنها تقوم بالمهام التي يقوم بها طرفا الصراع في سوريا.
فهي والى جانب تبنّيها للنظام والكشف عن غرفة عملياتها مع دمشق وبغداد وطهران أعلنت باكراً عن تفاهمها مع تل أبيب لتنظيم الحركة الجوّية ومدّت اليد الى أميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لمواجهة داعش، فيما هي تمعن في ضرب المعارضة السورية للنظام دون تصنيف.
وعليه يختم الخبير العسكري ليقول إنه لا يعرف النتيجة النهائية للعملية الروسية المفتوحة على احتمال الفشل كما النجاح. ففي حال نجحت في أن تكرّس بدبلوماسيتها أنها تخوض حرب الجميع، فيعني أنها ستكمل ما تريده طهران ودمشق في حماية النظام من جهة، والقضاء على داعش من جهة أخرى، ما يعني استكمال ما بدأه الحلف الدولي قبل عام دون أن يحقق أهدافه.
لكنّ توجّهها العسكري هو الى تكريس انتصار النظام حيث تحدّثت معلومات عن قرب تسليم الجيش السوري 300 دبابة متطوّرة رداً على تسلّم المعارضة 300 صاروخ مضاد للدروع في تحدٍّ واضحٍ لكلّ دول الحلف.
وإزاء النظريّتين المتناقضتين تبرز حصيلتان معاكستان: واحدة تقول إنّ موسكو ستربح الحرب السياسية على خلفية انتصاراتها العسكرية. وثانية تشير الى الفشل باعتبار أنّ ما حصل يشكل بداية لحرب جديدة لن تنتهي إلّا عندما تتحوّل موسكو بديلاً وحيداً من النظام وحلفائه لتفاوض الغرب نيابة عنهم، وهو ما يشير الى الغموض الذي يلفّ به الرئيس بوتين مبادرته. فهل يُعقل أنّ بوتين نجح بإخفاء تفاهمات مسبَقة نُسجت في الخفاء تفوّضه بهذا الدور المزدوج ليعبد الطريق الى حلٍّ ما؟!