لم يتقبّل العرب والمسلمون السنّة إجمالاً في المنطقة الأسباب التي برّر بها مسؤولون أميركيّون عدم تدخُّل الرئيس الأميركي باراك أوباما في سوريا وأبرزها كان استجابته لغالبيّة مواطنيه الرافضة الآن أيّ تدخّل عسكري واسع لبلادهم في الشرق الأوسط بعد حربي أفغانستان والعراق، لكنّهم تفهّموها وخصوصاً بعدما أبلغت واشنطن إلى حكّامهم أنّ عليهم أن يقوموا بالدور الأساسي في سوريا سياسيّاً وعسكريّاً مباشرة وبالواسطة سواء لدعم الثورة على نظام الأسد أو لمواجهة التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة وخصوصاً بعدما تحوّلت إرهابيّة، وبعدما أكّدت لهم أنّها في حال تجاوبهم ستقدّم لهم المساعدات التي يحتاجون إليها.
لكن يبدو أن هناك أسباباً أخرى لموقف أوباما من سوريا، استناداً إلى مُتابع أميركي جدّي لسياسة بلاده، يتعلّق أبرزها بروسيا وبخطرها على الغرب وتحديداً الأوروبي. طبعاً بقي هذا السبب بعيداً من الإعلام، لكنّه بدأ يتسرّب الآن إلى وسائله. وهو بكل بساطة أن إدارة أوباما ترفض التدخّل تلافياً لاستفزاز روسيا و”قيصرها” بوتين. فهي كانت مع حلفائها الأوروبيّين تعزّز قوّاتها العسكريّة في الغرب المشار إليه لأنّها كانت تخاف الروح المغامرة عند بوتين، ولأنّها ترى فيه خطراً وجودياً عليهم جميعاً. والحقيقة، يقول المُتابع نفسه، من الصعب جداً معرفة إذا كانت أميركا وحلفاؤها الغربيّون يخافون بوتين أو إذا كانوا يُخيفونه. ومعروف من زمان أن الروس سواء أيّام القياصرة أو أيّام الحكم السوفياتي كانوا يخشون الغرب وخصوصاً كلّما كان يقترب من حدود بلادهم، وأنّهم كانوا دائماً يريدون شريطاً واقياً أو منطقة عازلة معه. وقد ظهر ذلك في وضوح أيّام الحكم الشيوعي بسيطرته على دول البلطيق الثلاثة المجاورة له كما على دول أوروبا الشرقيّة وخصوصاً التي منها محاذية له أو قريبة منه. وعندما دخلت دول عدّة من المُشار إليها حلف شمال الأطلسي الذي تتزعّمه أميركا وجعلته على الحدود الروسيّة دقّ جرس الإنذار في موسكو، فتحرّك زعيمها بوتين بوصفه رئيساً ثم رئيس وزراء ورئيساً مرّة ثانية واحتل مقاطعة أو اثنتين في جمهورية جورجيا، وأخيراً احتل شبه جزيرة القرم، التي كانت أوكرانية، بقرار روسي عمره عقود وبدأ في إثارة المشكلات في الجزء الشرقي من الأخيرة. وكان بذلك يدقّ جرس الإنذار أو ناقوس الخطر في واشنطن والعواصم الغربيّة عموماً. انطلاقاً من ذلك كلّه، يرجّح المُتابع نفسه أن يكون أوباما فضّل انتهاج سياسة احتواء الأخطار الروسيّة الحاليّة والأخرى المحتملة وسياسة القضاء عليها كلّما استطاع ذلك. وهذه هي السياسة التي يطبّقها حاليّاً في سوريا. وهي تقضي باحتواء التدخّل العسكري الأخير لبوتين وتعريضه وإيران الإسلاميّة لنزف دموي ومالي مستمر ولا سيما بعدما يحقّق الأهداف التي وضعها له. وهو بقواته وبمساعدة إيران وحلفائها من اللبنانيّين وغير اللبنانيّين وجيش الأسد أو ما تبقّى منه يستطيع السيطرة على حلب كلّها. لكن كلفة ذلك ستكون ضخمة لأن أعداد المقاتلين ضدّه فيها كبيرة وما يحتاجون إليه من مؤن وأسلحة وذخائر متوافر، وذلك يمكّنهم من الصمود وخصوصاً عندما تفرغ من المدنيّين. وعلى افتراض أن حلب توحَّدت تحت مظلّة “الشرعيّة السوريّة” فان السؤال الذي يطرح هو: ماذا بعد ذلك؟ والجواب هو أن الاضطراب والاهتياج سيستمرّان لأن المتمرّدين سيتحوّلون إلى حرب عصابات تؤذي في استمرار قوات الأسد وحلفائه ومنهم روسيا. كما أن السؤال الثاني الذي يُطرح هو: ماذا ستفعل روسيا وحلفاؤها مع المتشدّدين جدّاً كـ”داعش” وأمثاله؟ والجواب هو أن متابعتها وملاحقتها إيّاهم في مناطق أخرى غير محتملة. ومن شأن ذلك تخفيف حماسة الحملة الأميركية ضد هؤلاء أيضاً كما حماسة حلفائها، والاكتفاء بمحاولة احتوائهم مع متابعة تجميع العشائر والقبائل والأكراد.
أخيراً، يلفت المتابع الأميركي نفسه إلى أن الذين فرّوا من سوريا ولجأوا إلى دول الجوار والعالم الأوسع لن يرجع معظمهم إليها طالما بقي الأسد في السلطة، وبذلك تتحوّل دولة فاشلة. هل الأسباب “الجديدة” صحيحة؟
فيها الكثير من الصحّة. لكنّها بعض من أسباب متنوّعة موضوعيّة كثيرة. وهي لا تعفي الرئيس الأميركي من مسؤوليّة غياب سياسة سوريّة شرق أوسطيّة عنده، وإن وجَّه أخيراً تحذيراً إلى بوتين كما يتردّد.