هل تدفع أحداث القاع إلى تقريب موعد حوار آب إلى الأول من تموز؟
مخاوف مشروعة من منطق المقاومة الشعبية وعودة التفكير بالأمن الذاتي على السلم الأهلي
تثير أحداث القاع موجة عارمة من المخاوف اللبنانية إذ يحاول اللبنانيون أن يبحثوا في الحيثيات والتبعات والنتائج. فما حصل يكاد يوحي باحتمالات عدّة مزعجة ومقلقة للغاية في توقيت تتعدّد فيه المشاهد والأحداث ذات الصِّلة بدءا من المشهد السوري المعقّد في مواجهة داعش وأخواتها مرورا بالعراق وما عرفته وتعرفه من مظاهر وتجارب وتطوّرات في مواجهة داعش أيضا.
وفي المخاوف ما يرتبط بالتوجّه المستجد للارهابيين نحو القرى اللبنانية في سياق دب الذعر لا في قلوب البقاعيين فحسب بل في قلوب العامة من اللبنانيين في كل منطقة حدودية أو داخلية قد يعتبر الاٍرهاب ان الوصول إليها أو المرور فيها أمر هيّن.
في الواقع يمضي اللبنانيون أياما صعبة وهم يعايشون مخاوف تكرار ذلك المشهد في القاع في مناطق أخرى بما سيحمله ذلك من تبعات وتفسيرات للمشهد الأمني الذي يكاد يصير معقّدا على الساحة الوطنية.
والمقلق في المشهد اللبناني ان الخيارات والقرارات المصيرية لم تعد تصدر عن إجماع وطني بحت، بل ان بعض أو معظم القرارات صارت تصدر بنتيجة مؤثرات وعوامل منها المذهبي الطابع ومنها ما يميل الى الطابع الطائفي.
من هنا بدت الخشية كبيرة على الساحة الوطنية مما بعد أحداث القاع نظرا لكون الأحداث المؤسفة هناك على قدر كبير من الأهمية والخطورة. وقد طرحت أسئلة كثيرة عن سبل مواجهة الأحداث الأخيرة وبالتالي الارهاب بكليّته وما إذا كانت التطوّرات الأخيرة ستستدرج المسيحيين الى التسلّح لمواجهة الشر الكبير المتمثل بمحاولة تمدّد الارهاب نحو المجتمعات اللبنانية الآمنة، وهل سيكون المجتمع اللبناني كله بعد ذلك معنيا باتباع خطة الأمن الذاتي؟ وأي مشهد سيؤول إليه الوضع في لبنان في هذه الحالة ومن يضبط معايير المقاومة الشعبية وما سيليها من مظاهر تسلّح أو تفلّت على الساحة الوطنية؟
لم يسقط المتابعون على الساحة اللبنانية أيا من الاحتمالات الصعبة خاصة ان القرارات اللبنانية السياسية والسيادية ما عادت تتخذ بطريقة سليمة لا وفقا للمعايير الدستورية ولا حتى لتلك السيادية، بل ربما صارت القرارات في لبنان تتخذ تبعا لأحداث ولقرارات يمضي في تجاربها وغمارها قادة سياسيون كل تبعا لما يعتقده مفيدا لديمومة نفوذه وتجذّر حالته الشعبوية؟ ترى هل سيكون أي قرار ارتجالي كالذي أوحت به أطراف لبنانية معروفة في القاع شعبيا ومفيدا بداية لتلك القوى وماذا عن الإيحاء بعودة منطق المقاومة الشعبية؟
البديهي ان المسارعة الى الأمن الذاتي والذي سبق ان رفضه الاجماع اللبناني ذات موسم مشتعل في طرابلس أمر خطر على مستوى الأمن القومي والسيادة الوطنية، إذ انه عندها سيصير البحث مهما في مستقبل الحالة اللبنانية وفي مصير الجيش اللبناني ومصير الاجماع الذي يحظى به داخليا ودوليا، أم انه عندها سيؤيّد بعض المجتمع الدولي أشكال المواجهة الشعبية للارهابيين.
بدا الحل اللبناني البديهي تبعا للمشهد المقلق في القاع والمعرّض للتكرار في أي منطقة أيا كان لونها المذهبي أو الطائفي، بدا الحل بديهيا بالعودة الى الحياة الدستورية في لبنان واتخاذ قرار حاسم بانتخاب رئيس للجمهورية يشكّل سلطة تنفيذية قادرة ولو على شكل حكومة عسكرية موسّعة مطعّمة، وتمكين الجيش اللبناني أكثر، وتهيئته لمواجهة كل التطوّرات المستقبلية المحتملة وعندها سيعزّز الجيش قدراته اما بإستعادة احتياطه من المؤهّلين لذلك أو بتطويع قادرين أكفّاء من ضباط ورتباء وعسكريين لتكون مواجهة الارهاب في لبنان منظمة انطلاقا من المؤسسات الأمنية الشرعية لا انطلاقا من حشود شعبية مسلّحة سيؤدّي وحضورها الى إنفلاش حالة الفوضى وعودة التوتر الى بعض المناطق التي ما استعادت الهدوء إلا بقرار سيادي بسلطة الجيش سطوته ورفض السلاح الفردي أو الأمن الذاتي.
واليوم يبدو المجتمع اللبناني بأكثريته معنيا بمواجهة الارهاب، ففي كل المجتمعات ثغرات سياسية وحتى مجتمعية يمكن للارهاب أن يتسلل منها الى الداخل اللبناني، لكن الحل الأمثل هو بإعطاء الجيش المزيد من السلطات لا بخلق جينات مسلّحة تشرّعها الحاجة، قد تتحوّل مع الوقت الى سبب خبيث لأحداث مؤسفة على الساحة الوطنية.
أما الغريب فتراجع الأصوات السياسية التي كان يفترض بها أن تعلو باتجاه الدفع نحو تسريع وتيرة الإجراءات السياسية الكفيلة بانتخاب رئيس للجمهورية وتقدير المواعيد لذلك بعيدا من التصلّب والتعنّت السياسيين، فالتوصّل الى انتخاب رئيس سيكون مفيدا حتى للمعنويات اللبنانية في قرى المواجهة، أيا كان وهذا الرئيس، خاصة إذا انتخب اللبنانيون رئيسا ولو مرحليا، يساهم في قيادة البلد وسط هذه الأنواء التي صار موجّها يلفح كل باب.
وكان قد جاء كل ذلك في خضم البحث في دوحة لبنانية تحت سقف الطائف وفوق سطح الدوحة عن شروط وسلة تذمّر منها البعض كان قد وافق عليها قبل ذلك، وجاءت الأحداث في البقاع لتعطي الذرائع لإجهاض تلك المحاولات، ربما يخطيء من يمضي في الإجهاض، ولعل الوقت مناسب لا للتريّث بانتظار أب بل لتقريب المواعيد ولو لإلغاء عطلة العيد ليكون البحث جادا في تسمية رئيس لا شيء آخر، من هنا يبدأ الحل لا من المسارعة الى البنادق والظهور بمظهر الاشتياق إليها.
ثم ان أهل القاع معنيون بأن توفّر لهم الدولة وحدها الحارس والحامي، كما انه على المجتمع اللبناني أن يساند صمودها وصمود أي بلدة أخرى قد يستهدفها الارهاب، من هنا يبدأ النهج المقاوم وهنا يتوفّر الصمود ومع ذلك تتجذّر القوة الشعبية.