حين يربط شمعون بين تقسيم العراق ولبنان
هل تُعيد تطورات المنطقة طرح الفدرالية؟
تكثر السيناريوهات التي تقرأ كل الاحداث والتطورات في العالم العربي على ضوء اعادة رسم خريطة المنطقة. ولبنان الذي يعيش في قلب كل تلك الصراعات لن يكون بعيدا عن نتائجها. وعلى الرغم من تمسك لبنان الرسمي بـ «الكليشيهات» حول الوحدة الوطنية والتماسك والعيش المشترك، الا ان الجماعات الطائفية والمجموعات الحزبية تشهد في اوساطها نقاشات مغايرة. لا يُخفى على كثير من السياسيين اللبنانيين ان مسار الامور يبدو متجها الى «تصحيح» الحدود القائمة او «تفكيك» الدول، لكن يبقى تأثير هؤلاء ورأيهم هامشيا.
يُنقل عن الرئيس كميل شمعون انه اجاب سائليه عن رأيه بامكانية تقسيم لبنان، قبل نحو ثلاثة عقود، ان «لبنان لا يتقسّم الا اذا تقسّم العراق. فاذا شاهدتم العراق يتقسّم، فهذا يعني بداية مرحلة الدويلات الطائفية والعرقية في المنطقة، وليس في لبنان فقط».
لو تم امعان النظر في العراق اليوم فماذا يمكن ان يقال؟ هل على لبنان ان يشعر بقلق حقيقي من فكرة تقسيمه وتقاسمه؟ وهل الطبقة السياسية مدركة لهذا الخطر ام ان بعضهم يعتبره مدخلا الى الحل، او اقله «تجربة يمكن ان تُختبر بعد ان اثبتت التجارب الاخرى عقمها»، كما يُنقل عن «مفكرين» في بعض الاحزاب المسيحية؟!
يبدي سياسي مسيحي وسطي خوفا من ان «تكون قراءة شمعون دقيقة جدا في مقاربة الحقائق التاريخية والجيوسياسية نظرا لموقع العراق وجواره». يضيف: «في النظر الى بلاد الرافدين اليوم، نكتشف انها عمليا صارت مقسمة الى جنوب شيعي، شمال كردي، ووسط سني. ولا يفيد في شيء اعتماد سياسة النعامة وتجميل الواقع وفق الاماني. ومن العراق الى سوريا يزداد القلق مع ازدياد الفرز الذي يكشف للعلن ما كان يمكن اعتباره جمرا تحت رماد الانقسامات الطائفية والحزبية والاثنية والعشائرية. والامور تميل الى تعميق الانقسامات اكثر فاكثر، والكلام عن تقسيم سوريا له مروجوه ومنظروه والمدافعون عنه. بالتالي فانه من المشروع ان يقلق اللبنانيون على هشاشة وحدتهم. فنحن لم نُشفَ بعد من جروح حروبنا التي لا تزال تنزف. طويناها على زغل فلا تصارحنا فعلا ولا تصالحنا ابعد من الشكل. لم نتناقش ونتحاور ونعترف بمسؤولياتنا. بالتالي فجمر انقساماتنا يرقد ايضا تحت رماد شراكتنا الشكلية».
لكن السياسي يصر على ان «مصلحتنا كلبنانيين ومستقبلنا وتطورنا كلها أمور مرهونة بمدى قدرتنا على التلاقي والصمود في وجه كل تقسيم او تهديد بالتفتيت. لا خلاص لنا الا بقيام دولة قوية موحدة. يمكن ان نتفق على لامركزية رحبة وعلى تعديلات في شكل النظام وممارسة السلطة، لكن وحدتنا هي ركيزة بقائنا». لا ينكر ان بعض الجهات «قد تكون ترى في تقسيم البلد حلا للنزاعات المتواصلة»، لكنه يضيف: «لا اسمع من جهات سياسية اساسية اي كلام بهذا الخصوص منذ اتفاق الطائف الى اليوم».
مع ذلك، ففي اوساط كثيرة هناك من يطرح الاسئلة ويناقش تطورات المنطقة وتداعياتها على لبنان و «امكانية ان ينكشف تقسيمنا المقنع ويظهر على حقيقته». ففي احدى حلقات النقاش، التي ضمت شبانا من احزاب مسيحية وآخرين ممن كانت لهم تجارب حزبية مختلفة، قيل كلام كثير. سأل احدهم: «لماذا نحاول الاختباء وراء اصبعنا؟ على ماذا يتوحد ويتفق اللبنانيون؟ نكاد نختلف على كل شيء تقريبا، من السياسة وادارة البلد الى مفهوم السيادة والشراكة في الامن، وصولا الى الاقتصاد والتحالفات الخارجية. لكل مجموعة تحالفاتها خارج الحدود ومصالحها المتناقضة في داخلها. لقد جربنا كل شيء، فلماذا لا نجرب صيغة معقولة وموسعة لفيدرالية ما من دون تاريخ الحساسية والاسقاطات الخاطئة على هذه الكلمة؟ اذا فشلنا مجموعين في الاتفاق على فكرة الدولة، فلم لا نحاول بناء دولنا على قياس طموحاتنا واهتماماتنا. لماذا ننتظر دائما ان تُفرض علينا الامور من الخارج». ويذهب بعض اصحاب هذه النظرية الى الحد الاقصى فيها فيقول احدهم: «قد ينجم عن هذه التقسيمات خلافات حادة داخل كل جماعة او مجموعة من لون واحد. ربما يكون هذا مدخلا بطريقة معينة الى العودة الى اولوية حقوق الفرد ورفاهيته، عوض الغرق اكثر فاكثر في الجماعات الساحقة والمسحوقة».