بعد امتناع زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري عن ترشيح نائب زغرتا سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية جرّاء الرفض العفوي والسريع له من أركان فيه سواء بالتصريح أو بالتلميح، وجرّاء رفض مماثل من أحد أبرز حلفائه في 14 آذار “حزب القوات اللبنانية”، يتساءل اللبنانيون إذا كان ملف ملء الشغور الرئاسي الذي حُرِّك أخيراً عاد إلى التجميد الذي فرضه عليه لبنانيون وغير لبنانيين منذ نحو 18 شهراً. ويتساءلون أيضاً إذا كان إقدام رئيس “القوات” “الحكيم” سمير جعجع على ترشيح الحليف الرسمي لفرنجيه ومنافسه بل خصمه اللدود زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون للرئاسة، وهو أمر يدرسه جدياً منذ مدة قصيرة، سيزيل التجميد عنه مرة ثانية وربما يوفّر فرصة لإنهاء الفراغ في قصر بعبدا.
والجواب عن كل من التساؤلين كما عن تساؤلات وأسئلة أخرى ليس سهلاً. فالتحريك مجدداً من أجل انتخاب فرنجيه رئيساً لا يبدو سهلاً على الإطلاق، بل يكاد يقرب من المستحيل الآن وفي المستقبل المنظور. والتحريك من أجل ملء الشغور بعون لا يبدو سهلاً بدوره، على رغم أن البعض في أوساط سياسية متناقضة التوجهات والانتماءات السياسية محلياً وإقليمياً يعتقد أن فرصة عون قد تكون ذات حظوظ لكن نسبية فقط. وهو يعزو اعتقاده إلى كون الأخير مرشحاً رسمياً، صار أخيراً فعلياً بحكم الضرورة ربما، لـ”حزب الله” ولـ8 آذار الذي يقود ولحليفهما الرئيس بشار الأسد منذ مدة طويلة. ويعزوه أيضاً إلى الثقة الكبيرة به من هؤلاء بسبب صموده ومنذ “تفاهم مار مخايل” مع “الحزب” قبل سنوات في وجه الضغوط والاغراءات التي تعرّض لها ولا سيما من الخارج القريب إلى الخارج الأبعد. ويعزوه ثالثاً إلى “تاريخ مشترك” بين مسيحيي “القوات” يوم كانت كتائبية ثم يوم “استقلَّت” ومسيحيي عون بعضه مُشرِق وبعضه الآخر دامٍ، لكنه يبقى دافعاً لتعاونهما حالياً إذ أن القواعد المسيحية العامة تفضل عون على فرنجيه حتى بعد تحالفه مع “حزب الله” والأسد. إذ أنها لا تنسى نضاله معها ضد “الاحتلال السوري” وقبله الفلسطيني، بخلاف فرنجيه الذي اختلف جدّه الرئيس الراحل سليمان مع “الجبهة اللبنانية” ومؤيديها لأسباب تتعلق بتمدّد أحزابها شعبياً في شماله خلافاً لإرادته، ولاحقاً بقتل نجله النائب طوني على يد بعضها سواء بقرار رسمي أو بإيحاء. ويعزو البعض ثالثاً في الأوساط السياسية المتناقضة نفسها تحريك الملف الرئاسي بترشيح عون إلى معرفة من يُقدم على هذه الخطوة أنها ستؤدي في النهاية إلى حرقه ومنافسه اللدود فرنجيه. وبذلك يرتاح من الاثنين وربما يصبح وزنه الانتخابي أكبر مما هو الآن، علماً أنه حالياً ليس “خفيفاً”.
إلا أن هناك جواباً آخر تقدمه جهات مسيحية للذين رفضوا الاثنين ولأسباب جوهرية، يفيد ان ترشيح عون وتصاعد حظوظ انتخابه يدفع المسيحيين إلى تأييده لاقتناعهم بقدرته على التحوّل وبعجزه عن الخروج من “جلده المسيحي”. وهي تقول لرافضي فرنجيه إنه بدوره لا يستطيع أن يخرج من “جلده المسيحي” وإنه يبرّر دائماً موالاته “لسوريا الأسد” تحديداً بقدرتها على حماية المسيحيين نظراً إلى “أقلويتها” القادرة قبل الحرب الأهلية وبرغبتها في ذلك. لكن رأي الجهات المسيحية هذه قد لا يكون واقعياً في رأي متابعين وبدقة مواقف أطراف 8 و14 آذار من الاستحقاق الرئاسي. فهم يرون أولاً أن قدرة فرنجيه على التحلل من تحالف مُزمِن وعون من تحالف أقل عمراً قد لا تكون كبيرة خلافاً لاعتقاد كل منهما وتمنياته. وهم يرون ثانياً أن “حزب الله” ينظر بشيء من الحذر وربما الريبة إلى ترشيح “القوات” عون لأسباب كثيرة معروفة لا ضرورة لذكرها. فهو ربما يفضّل انفتاحاً مسيحياً 14 آذارياً أقل قوة على عون تلافياً لنجاح جعجع في “خربطة” اللعبة إذا كانت نيته كذلك. لكنّه في أي حال ينتظر ليبني على الشيء مقتضاه. فإذا وجد احتضاناً حريرياً سعودياً أميركياً فاتيكانياً فرنسياً لعون فإن شكوكه ستزداد. في النهاية يرى “الحزب”، استناداً إلى هؤلاء “أنه جزء مهم من محور إقليمي منخرط في صراع كبير. لكن نظرته إلى الرئاسة تختلف عن نظرة الأسد. فالسيد نصرالله دعا إلى تسوية شاملة تشمل رئيس الحكومة وأعضائها وحقائبهم وقانون انتخاب، وينجزها اللبنانيون. وهو لم يتخل، عنها لكن “المبادرة” الرئاسية الحريرية كانت فئوية – إقليمية – دولية. ولم يبحث أصحابها فيها مع “الحزب” لمحاولة إقناعه بها”.
هل الموقف السوري من الرئاسة مماثل لموقف “حزب الله”؟
ملاحظة: سقطت صفّاً أو تصحيحاً كلمة “لم” من جملة “يَعُدْ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أولوية عربيّة”، فتغيّر المعنى، عذراً.