لا يُفصح رئيس مجلس النواب نبيه بري عن المعطيات التي تدفعه الى الحديث عن وجود إشارات إيجابية تبعث على توقّع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت ليس ببعيد.
ما يحصل على الصعيدين الإقليمي والدولي من لقاءات وتحرّكات يشي بإحتمال تحريك ملف الأزمة اللبنانية، وفي شقّها الرئاسي على الأقل، لإكمال عقد المؤسسات الدستورية بعد تمديد ولاية مجلس النواب، وذلك كنتيجة سياسية طبيعية للمعركة التي خاضها الجيش اللبناني ضد المنظمات المتطرفة في طرابلس والشمال وأنهى بناها التحتية، في اعتبار أن الإستقرار الأمني الذي تحرص القوى الإقليمية والدولية على استمراره في لبنان لا يُحصّنه أو يحميه إلّا توافق بين الأفرقاء السياسيين، ولو بالحدّ الأدنى في انتظار الوصول الى الحلول الكاملة.
بيد أن الأوساط السياسية اللبنانية تبدو إزاء التطورات الإقليمية والدولية الجارية على مستوى الملف النووي الإيراني، أو على مستوى الأزمات السائدة في المنطقة منقسمة الى فريقين في النظرة الى مستقبل الأوضاع الداخلية عموماً، وإزاء الإستحقاق الرئاسي خصوصاً:
ـ الفريق الأول يعتقد أن ما يجري إقليمياً ودولياً، سيُهبِط رئيس الجمهورية الجديد في لحظة ما من الآن وحتى نهاية السنة، وبالطريقة نفسها التي «هبطت» فيها حكومة الرئيس تمام سلام في شباط الماضي، بعدما تأخّر تأليفها نحو عشرة أشهر.
ويعوّل هذا الفريق على الإتصالات الجارية حالياً بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفرنسا، ومنها المحادثات التي أجراها في طهران المسؤول المكلف شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو مع مساعد وزير الخارجية الإيرانية أمير حسين عبد اللهيان، وقد سبق لهذا الديبلوماسي الفرنسي أن زار العاصمة الإيرانية ثلاث مرات سابقاً، باحثاً مع المسؤولين الإيرانيين في قضايا ثنائية وإقليمية ولبنانية.
ويعتقد هذا الفريق أن الإستحقاق الرئاسي بلغ داخلياً مرحلة من التعقيد باتت تستدعي تدخّلات القوى الخارجية المؤثرة لدى الأفرقاء الداخليين من أجل تأمين التوافق على انتخاب شخصية سياسية لرئاسة الجمهورية، لأن هؤلاء الأفرقاء باتوا عاجزين عن التوافق بمفردهم على الرئيس العتيد، علماً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكد جازماً أن إنجاز الشق اللبناني في الإستحقاق الرئاسي بالإتفاق على خيار أو أكثر، ضروري لتظهير هذا الرئيس، إذ لا يُعقل ان يكون الرئيس صناعة الإرادة الخارجية مئة في المئة، وإنما ينبغي لهذه الإرادة أن تختار من بين مجموعة خيارات يبلورها التوافق اللبناني الداخلي.
ـ الفريق الثاني، يعتقد أن أوان إنجاز الإستحقاق الرئاسي لم يحُن بعد، ويستدل الى ذلك من خلال استمرار رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في ترشيحه، إذ أن الرجل، على ما يُنقَل عنه، أنه لن يتنازل عن «حقّه» في الرئاسة مثلما تنازل عام 2008 بموجب إتفاق الدوحة لمصلحة إنتخاب العماد ميشال سليمان «رئيساً توافقياً».
ويرى هذا الفريق أن تمسّك «حزب الله» وحلفائه بترشيح عون، إنما يؤشّر أيضاً الى عدم وجود أي معطى ميداني يفيد أن الإستحقاق الرئاسي يتحرك جدياً في اتجاه إنجازه، كذلك يؤشر الى أن الثوابت التي تعوق انتخاب رئيس جديد لم تتزحزح، ولو بوصة واحدة، بعد. فـ «الحزب» قال كلمته في تأييده لعون إستناداً الى اقتناعه به «رجلاً مناسباً» للمرحلة حسبما أبلغ اليه، وليس انسجاماً مع التحالف القائم بينهما فقط. ولن يطلب منه، كما يرغب البعض، البحث في إمكان سحب ترشيحه لمصلحة مرشح توافقي.
ويرى «الحزب» أن اتهامه وعون بتعطيل الإستحقاق الرئاسي هو اتهام مردود الى مُطلقيه، لأن الآخرين الذين حاوروا عون لأشهر في ترشيحه هم من عطّل الإستحقاق أو جمّده حتى الآن، وان على هؤلاء أن يحاوروه الآن ترشيحاً واقتراعاً، إذ أن لهم «دالة» عليه في ضوء الحوار الذي دار لبضعة أشهر بينه وبين الرئيس سعد الحريري مباشرة، وكذك بالوكالة بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، وتخلله نسج مصالح مشتركة إقتصادية وغيرها بين الجانبين.
غالب الظن لدى فريق ثالث من الأوساط السياسية، أن مرحلة من التمهيد لإنجاز الإستحقاق قد بدأت أو ستبدأ، ففي الأفق المنظور حوار سينطلق بين «المستقبل» و «حزب الله» وشيكاً، ويتحرك رئيس مجلس النواب نبيه بري بقوة في هذا الإتجاه، إذ أن مثل هذا الحوار سيساهم في بلورة نواة التوافق على الرئيس العتيد، وفي حال توسّع هذا الحوار ليشمل أطرافاً آخرين، فسيكون الأمر بمثابة «زيت على زيتون»، فتزداد بذلك فرص إنتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية السنة.