تترقب الأوساط الدبلوماسية في بيروت والمنطقة ما ستؤول اليه «معركة تكريت» التي يخوضها الجيش العراقي ومعه الميليشيات الشيعيّة والخبراءُ الإيرانيون من دون غياب الأميركيين عن مجرياتها دون باقي أطراف الحلف الدولي، ربطاً بحجم الملاحظات الأميركية القاسية على إختيار معركة تكريت قبل غيرها من الجبهات العراقية مع داعش. فلماذا كلّ هذا الإهتمام؟ وهل لها من انعكاساتٍ على لبنان؟
لم تخفِ الأوساط الدبلوماسية في بيروت قلقها من مستجدّات الوضع العراقي وهي تلاحق اولاً بأوّل مجريات المعركة في مدينة تكريت السنّية بالكثير من الحذر مخافة أن تقع القوات العراقية والميليشيات الشيعية في المحظور الذي يمكن أن يتجلّى بارتكاب المجازر بحقّ أبناء المنطقة السنّية خصوصاً
أولئك الذين شكلوا البيئة الحاضنة لـ «داعش» عند إحتلال المدينة والمحافظات العراقية في أيام قليلة بعد سقوط الموصل المريع.
وفي خلفية العقل الذي يراقب تطوّرات معركة تكريت أنّ كلّ الخطط التي وُضعت لمواجهة داعش ركّزت على ضرورة توفير القوة العسكرية السنّية التي ستواجهها في المحافظات السنّية.
فإذا بالحكومة العراقية وبتخطيط من القيادة العسكرية الإيرانية التي تساعدها تستعجل خوض معركة «تكريت اولاً» باعتبارها عاصمة محافظة صلاح الدين السنّية بوحدات الجيش والحشد الشعبي الشيعي وهو ما رفع من نسبة المخاوف من تكرار المجازر التي ارتُكبت على خلفية الصراع بين سنّة العراق وشيعته ما قد يؤخر كلّ الحلول المطروحة لتسوية عراقية تغلّب المنطق الوطني على المنطق المذهبي الذي برّر نموّ داعش وأخواتها في العراق وتمدّدها السريع الى سوريا.
لكن ما أقلق الدبلوماسيين التبدّل في المزاج الأميركي بسرعة قياسية، وهم مَن حذّروا قبل فترة القيادة العراقية الشيعية والإيرانيين جراء إختيارهم خوض معركة «تكريت أولاً» في وقت كانوا فيه يفضلون خوض معارك سهل نينوى أو سامراء أو الموصل قبلها.
ولذلك فقد انعكس هذا التبدّل مخاوف لدى اطراف في الحلف الدولي. وزاد ما يبرّره سيل من المواقف التي عبّر عنها كلٌّ مِن وزيرَي الخارجية والدفاع الأميركيَين جون كيري وكارتر آشتون حيال الدور الإيراني المتعاظم في العراق والذي عُدَّ رضىً ضمنيّاً بالكشف عن أنّ همّهما «جرّ إيران» الى «موقف إيجابي» في العراق في المواجهة مع داعش» وهو ما حصل فعلاً من خلال استخدام قوة النيران الإيرانية في المعركة.
وزاد الطين بلة عندما استمع الدبلوماسيون المتوجّسون من المتغيّرات الأميركية الى رئيس هيئة الاركان الاميركية المشترَكة الجنرال مارتن ديمبسي الذي عبّر عن رضاه عن المشاركة الإيرانية في حرب تكريت على رغم قلقه البالغ وخوفه من أن ترافقها «عمليات تطهير عرقي ضدّ السنّة» ملمِّحاً الى أنّ بلاده وشركاءها في الحلف الدولي «يرحّبون بأيّ دور لأيّ قوة وإن كانت إيرانية تواجه داعش لأنه أمرٌ إيجابي بالمعنى العسكري للعملية».
وإستناداً الى ما تقدّم تترقب الأوساط الدبلوماسية ما سيكون عليه الموقف الأميركي من نجاح الإيرانيين والشيعة في حسم معركة تكريت مخافة أن يكون ذلك ثمرة تفاهم إيراني – أميركي سرّي تمّ التوصل اليه على هامش المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وهو ما قاد الى استراتيجية أميركية جديدة سمحت للإيرانيين بمشاركة الحلف الدولي في المهمة عينها بعدما حرمت النظام السوري وما تبقى من جيشه من نعمة انضمامه الى الحلف الدولي في مواجهة داعش في سوريا.
ولذلك كلّه تراقب المراجع الدبلوماسية بدقة طريقة تصرّف الإيرانيين وحلفائهم في العراق خصوصاً في المناطق السنّية بعد تطهيرها من داعش. فإذا نجحوا بالقيام بعملية «عسكرية نظيفة» قد يفرضون صيغة جديدة للمواجهة تتجاوز كلّ خطط الحلف الدولي السابقة.
وهو ما يمكن ترجمته لاحقاً في سوريا بإعطاء دور للجيش السوري فتنتفي الحاجة عندها الى تجهيز مجموعات مسلَّحة من «المعارضة السورية المعتدِلة» لخوض المواجهة مع داعش ما يُعيد خلطَ الأوراق في كلّ المنطقة عسكرياً، على رغم إشارة ديمبسي الواضحة بأن «ليس لدينا شريك برّي ذو صدقية داخل سوريا حتى الآن..»
وبناءً على ما تقدّم تتوقف المراجع الدبلوماسية أمام مجريات عملية تكريت «النموذجية» وهي ترى إن فرزت تفاهماً إيرانياً – أميركياً لا بدّ وأن يقود الى تفاهم إيراني مع كلّ الحلفاء في المنطقة، والسعودية واحدة منهم.
وعندها ما الذي يمنع أن ينعكس هذا التفاهم على تسريع الحلّ المنشود في لبنان الذي تحوّل ملفه الى «ورقة صغيرة» في هذا الملف الكبير. فهل يمكن عندها أن ننفِّذ بتفاهمٍ يقود الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية مدخَلاً الى تعزيز الإستقرار وتعزيزاً لمنع تسلّل الإرهاب من سوريا الى الوطن الصغير؟