لا يبدو ان اغتيال الشيخ وحيد البلعوس في منطقة السويداء السورية سيمر مرور الكرام على الطائفة الدرزية في لبنان، لا بل انه من المرجح ان يعمق الانقسام السياسي الشامل بين ابنائها على خلفية مقاربة المشهد السوري.
وبينما تمكن المشهد الدرزي من تجاوز «قطوع الفتنة» في سوريا، في ما عده كثيرون محاولة من قبل الجماعات المسلحة السورية ومن يقف وراءها لدفع الطائفة الى مواجهة الدولة السورية، بينما توحد غالبية ابناء الطائفة وراء معركة «حماية الوجود» ودعم شرعية الدولة السورية، بات من الواضح ان هذا المشهد لا يسقط نفسه على مشهد مشابه بين ابناء الطائفة في لبنان.
وبينما تؤكد أوساط درزية معارضة لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط تعاطف دروز لبنان مع معركة إخوانهم في سوريا، تشدد أوساط أخرى على ان موقف جنبلاط المعارض جذريا للنظام في سوريا «المُتهم باغتيال البلعوس»، يحظى بتأييد دروز لبنان.
بالنسبة الى أوساط جنبلاط، فإن اغتيال البلعوس لم يهدف الى تقسيم الطائفة، بل انه جاء انتقاما من قبل النظام لشخصية معارضة له دأبت على انتقاده وتمكنت من تشكيل حيثية شعبية كانت تكبر مع الايام.
ومن المنتظر ان يخرج جنبلاط اليوم بموقف واضح على هذا الصعيد خلال اقامة صلاة الغائب وتقبل التعازي بغياب البلعوس «شهيد الثورة السورية الى جانب 37 من رفاقه»، حسب هؤلاء الذين يصفون الاغتيال بـ «المجزرة التي دبرت للبلعوس الذي ينضم الى الشهداء الـ300 ألف للثورة السورية»، مشيرين الى «ما ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي من تهان وتأكيد على هوية منفذ الاغتيال».
بالنسبة الى مؤيدي جنبلاط، فإن اغتيال البلعوس قد تم على خلفية موقفه المعارض للنظام في سوريا، أما الاسلوب الذي نفذ فيه الاغتيال، على مرحلتين، والشبيه بالعمليات التي تقوم بها الجماعات التكفيرية منذ بروزها في المنطقة، فإن هؤلاء يشيرون الى ان تلك الجماعات لم تأت من فراغ، بل تربت في احضان ذلك النظام وتشربت اساليبه.
برأي تلك الاوساط، فإن وافد أبو ترابة، الذي اعترف بتدبير عملية الاغتيال، ليس سوى «أحمد أبو عدس آخر»، لذا، فإن تصنيفه كمعد للتفجير ليس سوى «مزحة» في نظرهم «لا يقبلها عقل راجح». ومن يقف وراء الاغتيال، حسب هذه الاوساط، لا يحتاج الى دليل لاثبات تورطه، «هو الذي لم يتردد في قتل ابناء طائفته، فهل سيكون حريصا على دماء الدروز الذين تركهم في العراء في السويداء بعد ان سحب معداته العسكرية الثقيلة من المنطقة؟».
لكن هل سيتطور الامر بين دروز لبنان على غرار ما هو حاصل في سوريا؟
يقر المؤيدون لجنبلاط بالتباين القائم بين ابناء الطائفة في لبنان، لكنهم يقولون ان حفل التأبين اليوم في دار الطائفة الدرزية في بيروت لن يوجه الاتهام الى أي طرف لبناني. لذا، فإن لقاء اليوم «لن يصب زيتا على نار الخلافات بل انه سيهدف الى تنظيمها حفاظا على الاستقرار الداخلي». من هنا، سيشكل اللقاء مناسبة وطنية لتكريم «الشهيد الشيخ البلعوس ودوره في الثورة» بما يشكل انحيازا الى الشعب السوري، أما من يقف موقفا آخر من الاحداث، فإنه «سيتيقن صحة ما نذهب إليه مع الايام».
وسيعمد منظمو اللقاء الى منع رفع أية اعلام حزبية او شعارات دينية لكي لا تزيد من حدة المشاعر المتناقضة على صعيد الطائفة، وسيختتم اللقاء بكلمة لجنبلاط، «يوجه فيها من جديد بوصلة المعركة».
يأتي ذلك فيما اللقاء سبقته تحركات مشابهة في مناطق مختلفة في الجبل والبقاع الغربي حيث النفوذ الملحوظ لـ «الحزب التقدمي الاشتراكي»، والتي شهدت رفع لافتات تضامنية مع البلعوس، استعدادا للمناسبة اليوم التي تأتي في خاتمة تلك التحضيرات، والتي قد تشهد تصعيدا في وتيرة الهجوم الجنبلاطي على دمشق.