أثار عقد المؤتمر الثامن لقوى 14 آذار ردود فعل عنيفة لدى «حزب الله»، مما يؤشر الى أن هذه الحركة وضعت الإصبع على الجرح، فالمصارحة التي قدمت في «البيال« وإعلان تشكيل المجلس الوطني ولجنة تحضيرية تتولى وضع النظام الداخلي له وبرنامج عمل في ضوء ملاحظات ناشطي المجتمع المدني، مهّدت الطريق أمام إعادة إحياء نبض حركة 14 آذار من دون السقوط في وهم الانتصار من خلال الشارع واستخدامه بطريقة لا منطقية، تؤدي الى مواجهات او حرب أهلية جديدة وهو ما ترفضه هذه القوى من خلال تبنيها شعار «انتفاضة السلام»، والى جانبه شعار لا يقل أهمية وهو «جبهة اعتدال» لبنانية وعربية لمواجهة المشروع الإيراني الذي يتمدّد في دول المنطقة ويفرد أذرعته الأمنية هنا وهناك لتغيير الواقع.
القرارات التي اتخذت في المؤتمر ستتحول الى آلية عمل، فاللجنة التحضيرية تجتمع قريباً في لقاء سيكون فيه عصف أفكار، وستكون هناك قراءة للملاحظات التي أبديت حول المؤتمر، قبل صياغة خطة عمل تعيد الامور الى نصابها، في علاقة قيادة 14 آذار بجمهورها.
ترى عضو اللجنة التحضيرية الناشطة زينة منصور أن «الأحزاب التي تجرؤ على أن تجلس وجهاً لوجه مع الناس وتسمع النقد والعتب بالشكل الواضح الذي قيل فيه في مؤتمر 14 آذار قليلة، ما يعني أنها حركة ما زالت بخير وقادرة على التطور والاستمرار. وانها استطاعت اعطاء درس بليغ للخصوم والمنتقدين، فهي تجرأت حيث خاف الآخرون ولم يجرؤوا على الإتيان بخطوة مماثلة»، معتبرة أن «من ينتقد 14 آذار، عليه أن يجرؤ على الإصغاء لسخط قواعده ولا يصم آذانه ويطبق عينيه«.
مع ذلك، سجّلت مجموعة من الملاحظات. فبالنسبة إلى الوثيقة السياسية، تشير إلى أنها «وثيقة نموذجية من حيث الرؤية وأدوات المواجهة، إلا أن ما ينقصها خطة عمل تترجم هذه الأفكار لأفعال، وهو ما ستقوم به الهيئة التحضيرية، أما الملاحظة الثانية، فتتعلّق بالفقرة التي وردت في الوثيقة: نحن لا نريد أن نهزم أحداً ولن نسمح لأحد أن يهزمنا، وهي مؤشر على استخلاص العبر من دروس الحرب ودعوة للتواصل والتضامن للحد من العنف». وتؤكد في ملاحظتها الثالثة أن «حضور المرأة اللبنانية كان ضعيفاً مع أنها رافد عريض لأي حراك ثوري، كذلك التمثيل المناطقي لا سيما المناطق التي تعاني ضغط النزوح السوري»، مشيرة الى عتب «جمهور 14 آذار على التلكؤ السياسي لفريقه في مراحل، ما خلق عدم ثقة وإحباطاً وخيبة أمل«.
وعن اختيار أعضاء المجلس واللجنة التحضيرية وعما إذا كانت موافقة على توصيف البعض بأن هناك «فوقية» في الاختيار، تقول منصور: «معايير الاختيار بنيت على أساس الديناميكية، المشاركة والتفاعل الفكري، فكل المشاركين الـ400 فاعلون وناشطون في فضاء 14 آذار، وما أقوله لا يدحض فكرة أن هناك المئات الذين يحق لهم أن يكونوا في هذا المجلس وفي جبهة الاعتدال، مع الإشارة إلى أنه في حال عدم التزام الأعضاء بالحضور الفعّال سيتم استبدالهم بأعضاء جدد أكثر فعالية«.
وحول مهمات المجلس، ترى منصور، انه «وطنياً، يجب إنقاذ لبنان من مخاطر الاشتعال المذهبي عبر تشكيل درع اجتماعية وطنية تقي لبنان من خطر الانزلاق في الحروب والفتنة، واعتماد جبهة الاعتدال اللبنانية كهيئة مدنية عابرة للطوائف تتولى رسم حالة وطنية نحو انتفاضة سلام، وإطلاق حوار بالتعاون مع المستقلين لصياغة استراتيجية خلاص وإنقاذ وطني، وربط القيادات العليا بالنخب والناس والمستقلين والمجتمع المدني، أي تأسيس عين مراقبة حريصة على تطبيق الرؤية الجديدة لـ14 آذار. أما اقتصادياً، فبناء حالة من السلام والاعتدال تؤدي إلى إعادة دوران عجلة الاقتصاد. واجتماعياً، يجب تخفيف الاحتقان الاجتماعي المذهبي«.
أما عضو اللجنة الناشطة حنين غدّار فتفضّل عدم التعليق على نتائج المؤتمر، بانتظار ما «ستسفر عنه نتائج انطلاقة المجلس الوطني والانتخابات بعد إنهاء اللجنة التحضيرية أعمالها»، وتقول: «ستكون انطلاقة، لأن دينامية العمل ستكون مختلفة وسيكون هناك دم جديد وسنرى ما إذا كان جمهور 14 آذار سيعود ام لا». وتؤكد: «نحن سنعمل على كسر الجمود، والتفاعل مع المقترحات المقدمة، وهذا سيخلق طريقة جديدة في العمل، ستتغير الأمور وهنا للشارع دوره، اذا نجحت 14 آذار بذلك يكون الوضع جيداً، وإن فشلت يجب المصارحة والإعلان«.
وتعود بالذاكرة الى الوراء، مشيرة الى ان «الأوضاع في العام 2005 مختلفة عما هي عليه اليوم، اذ كان هناك احتلال سوري وكنا وحدنا واستطعنا إخراجه من لبنان، اليوم لا يمكننا استعادة خطاب تلك المرحلة نفسه، اليوم هناك احتلال مختلف، احتلال مقنّع، هو الاحتلال الايراني الموجود ليس فقط في لبنان وانما في سوريا واليمن والعراق أيضاً، ويجب أن يتطور خطاب 14 آذار آخذاً في الاعتبار هذا التطور الحاصل». وتشدّد على ضرورة «عودة 14 آذار الى الشارع ومواكبة الرأي العام ليصبح خطابها مواكباً لنبض الناس، فجزء من خطاب 14 آذار اليوم المطلوب أن يتغير وأن يكون لدينا خطاب مشترك مع الدول التي تعاني مثلنا، وهنا فإن الدعوة الى جبهة اعتدال عربية سبق لنا أن ناقشناها وقد أخذت في الاعتبار». وتلفت الى أن «المتطلبات كبيرة وتحديث الخطاب مهم كذلك التواصل عبر «نت وورك» مع المجموعات السياسية الناشطة في البلدان التي تقع تحت الاحتلال الإيراني، فكل هذه الأمور تخلق دينامية عمل جديدة»، مشيرة إلى أن «اللجنة التحضيرية ستجتمع قريباً، لا يوجد جدول أعمال معد لها مسبقاً، سيكون هناك طرح أفكار ومن هنا تبدأ الديموقراطية». وتذكّر بأن «باب 14 آذار ليس مقفلاً على أحد«.
وعما إذا كان الوضع في لبنان يحتمل شعار العودة الى الشارع، خصوصاً بعد التجربة التي قام ناشطون سياسيون بالتظاهر أمام السفارة الإيرانية، فكان أن قتل الشهيد هاشم السلمان بدم بارد، تلمّح غدار الى «صعوبة الأمر لكون الاحتلال الإيراني مقنّع بحزب الله وهو طرف لبناني، ومع ذلك يجب العمل وهناك فرصة الآن لذلك، المهم ان تكون الرؤية واضحة وتقدم 14 آذار لجمهورها برنامجها العملي«.