Site icon IMLebanon

هل المقاومة تطرُّف أم واجب؟

 

زرعت بريطانيا الكيان الصهيوني في فلسطين لكي تعين الغرب على ترسيخ مصالحه السياسية والاقتصادية في العالم العربي. ففلسطين شكلت ومازالت تشكل بالنسبة لأميركا وريثة بريطانيا في زعامة المعسكر الرأسمالي، البوابة التي دخلت ومازالت تدخل منها واشنطن إلى ربوع الأقطار العربية كافة بهدف السيطرة على قرارات حكوماتها ومقدراتها وبناء القواعد العسكرية في ربوعها، وذلك قبل مرحلة ابرام اتفاقيتي «وادي عربة» و«كامب دايفيد» وبعدهما.

 

أما الأطماع الاسرائيلية في لبنان مازالت متربصة بموارده المائية والنفطية والغازية والغاية هي نهبها نهباً نهائياً.

 

أما صفقة القرن فإن دخول مندرجاتها حيز التنفيذ يشترط تصفية تنظيمي «حزب الله» وحركة «حماس» لأنهما بمقاومتهما يعيقان توطين الفلسطينيين في دول الشتات ويقفان حائط صد منيع أمام تصفية القضية الفلسطينية. وأعود وأذكر دوماً بأن المقاومة في لبنان لو بقيت ضمن اطار أحزاب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، كانت واشنطن ستدرجها ضمن لائحتها السوداء التي تصنف كل من يقاوم بالارهابي.

 

فالمعضلة الأميركية ليست مع مقاومة لونها شيعي مدعومة من ما تسميه بالخطر الفارسي، فعندما كان الاتحاد السوفياتي يقدم الدعم للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية كان الداعم بالنسبة لواشنطن اسمه الخطر الشيوعي، فما تبغيه واشنطن هو تصفية المقاومة إن كان لونها شيعياً أو شيوعياً أو قومياً لأن المقاومة بحد ذاتها ممنوعة في قاموسها كونها تعرقل انتصار المصالح الأمريكية.

 

وأحيلكم هنا إلى المحاضرة التي القاها البروفسور ماكس مانورينغ، خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الاميركية في اسرائيل، بتاريخ 13 آب 2013 أمام ضباط كبار في حلف الناتو، وأهم وأخطر ما قاله فيها حرفياً «ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الامم أو تدمير قدراتها العسكرية، بل الهدف يكمن في استعمال أساليب الانهاك مع عدوك لارغامه على الرضوخ لارادتك»، ويضيف إن «الهدف هو زعزعة الاستقرار، وهذه الزعزعة ستجعل تنفيذها يقع على عاتق مواطنين من الدولة العدوة لدولتكم لخلق دولة فاشلة لديهم»، ويختم بالقول إن «ما يهدد فكرة سيادة الدولة العدوة هو التحكم باقليم يقع خارج نطاق سيطرتها، وتتحكم به مجموعات غير خاضعة لها، وهذه العملية يجب تنفيذها بخطوات هادئة وباستخدام مواطني الدولة العدوة لكم كي يلاقي هذا العدو مصرعه».

 

لكن السؤال المطروح هل المقاومة تطرف أم واجب؟

 

بدوري أقول؛ ما كان الواجب يوماً متطرفاً، خصوصاً إذا كان هنالك اعتداء على الأرض والعرض وأطماع. لقد راهن المناضل ياسر عرفات، الرئيس السابق للسلطة الفلسطينية، على أن الأسلوب الدبلوماسي مع تل أبيب قد يحقق تشييد الدولة الفلسطينية القوية، ولقد بح صوت الرئيس الشهيد آلاف المرات وهو يقول «سنغرس العلم الفلسطيني على أسوار القدس ومآذن القدس وقبب كنائس القدس»، ومضت الأيام والسنوات ولم تتحقق أمنيته وأمنيتنا، واستشهد مسموماً.

 

من هنا بقي صوت الرئيس الخالد جمال عبد الناصر يحلق في سماء الصدق والحق والعدل والمنطق قائلاً «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة».

 

ويبدو أن ظهور النفط والغاز في الضفة وفي قطاع غزة ساهم بشكل كبير في صناعة صفقة القرن. فإزاء هزائم أميركا وإسرائيل في لبنان قررت واشنطن بعد سقوط نظرية قوة لبنان بضعفه شنّ حرب العقوبات على لبنان وسوريا أملاً منها في تحقيق انتصارها بواسطة حروب من دون نار.

 

جاء في تقرير نشره موقع «الجزيرة» بتاريخ 14 آذار 2017 «لقد فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية منذ العام 2006 جراء اختباراتها النووية والصاروخية، وكذلك فرضت العقوبات على ايران منذ منتصف تسعينيات القرن الغابر واتخذت التدابير مع الدول الغربية الحليفة لها لمنع طهران من المضيّ في بناء برنامجها النووي عبر محاولة حرمانه من مصادر التمويل و التكنولوجيا، والمضحك المبكي أن واشنطن وتل أبيب تريدان سرقة الحق الحصري في امتلاك البرنامج النووي، وهذه هي احدى العوارض الجانبية لحكومة السيطرة الأحادية القطب على العالم».

 

وتبقى اسرائيل الكيان المزروع في قلب العالم العربي منذ العام 1948 صمام أمام بالنسبة لواشنطن يحاول أن يتيح لها تنفيذ مندرجات أجندتها بحذافيرها الكاملة. إن كل الرؤساء الأميركيين محضوا الولاء وجددوا البيعة للكيان الاسرائيلي، فعلى سبيل المثال لا الحصر قال الرئيس الاسبق جيمي كارتر في حفل اقامته على شرفه جامعة تل أبيب «باعتباري نصرانياً أؤمن أيضاً بأن وحياً الهياً دعانا إلى انشاء دولة اسرائيل».

 

لكن الرئيس جون كينيدي تمايز عن بقية رؤساء أميركا واغتيل لأنه قال بأن الانحياز الاميركي في النزاع العربي الاسرائيلي لصالح اسرائيل لا يهدد أميركا فحسب بل يهدد العالم بأسره، وهذا ما نشهده اليوم.

 

يقول قسم هام من الرأي العام اللبناني لقد تمكنت العقوبات الأميركية من افقارنا وتجويعنا لذا يجب نزع سلاح حزب الله لأن مصلحة لبنان هي مع دول الغرب برئاسة واشنطن وليست مع دول المحور الممانع الذي ترأسه موسكو!! لكن في المقابل علينا ان نقر ونعترف بأن أحزاب فريق الثامن من آذار وجماهيرها ما عدا التيار الوطني الحر أحزاب أيديولوجيا مقاومة وقادرة على الصمود لسنوات ربما تحت ضربات العقوبات لأنها قادرة على خوض حروب الأعصاب والاستنزاف، وتتقن بامتياز فنون لعبة عض الأصابع، وهي الاحزاب التي خرّجت خالد علوان ويحيى اسكاف وأدهم خنجر ومعروف سعد وسناء محيدلي وسعيد فخر الدين.. والقافلة تطول.