اختلفت ردات الفعل وطريقة التعاطي مع الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بسجن الوزير السابق ميشال سماحة لمدة ثلاثة عشر عاماً باختلاف المواقع والانتماءات السياسية لكن الحكم برأي الجميع كان مفاجئاً ومدوياً وبرأي المنتقدين او المهللين له، فان العقوبة هي الأقسى بدون شك مقارنة مع ارهابيين آخرين واحكام اخرى صدرت بحق ناقلي متفجرات في المرحلة الأخيرة من الاحداث، وان الحكم على سماحة لم تغب عنه الخلفيات والابعاد والصلات السياسية والامنية.
وفي حين اعتبرت مواقف 8 آذار ان العدالة جاءت استنسابية في هذا المجال خصوصاً ان عملاء وناقلي متفجرات لا تقل جريمتهم عما اقترفه سماحه أخلي سبيلهم بعدما صدرت بحقهم احكام مخففة بالسجن ثلاثة او اربع سنوات، وان شوائب رافقت القضية على غرار عدم استدعاء المخبر ميلاد كفوري وجلبه الى التحقيق، اضافة الى ضغوط في السياسة جعلت سماحه يخرج من السجن ويعود اليه بحكم مضاعف، فان فريق 14 آذار اعتبر ذلك انتصاراً سياسياً له وفي المحصلة ثمة من اراد ايجاد مخرج لأزمة سياسية سببتها القضية فكان ان سماحه استحق عقاباً لا يشبه عقاب مجرمين مارسوا الجرم نفسه، وحصلت التضحية بسماحه بدل المحكمة العسكرية.
لكن وبغض النظر عن الردود التي رافقت قضية الحكم والتي سيمحوها النسيان مع تقدم الوقت وعلى وطأة الملفات التي تترنح تحتها الساحة الداخلية فيما سماحه ينفذ عقوبته ويدفع ثمن خطأ ارتكبه بعدما استدرج اليه ايضاً، فان السؤال الذي رافق عملية الحكم تمحور حول عودة وزير العدل عن الاستقالة خصوصاً ان تلك الاستقالة كان سببها الحكم المخفف الذي ناله سماحه وخروجه من السجن وربطاً عدم احالة القضية الى المجلس العدلي.
عليه ترى اوساط سياسية ان أشرف ريفي كان له الدور الاساسي في الحملة التي مورست في ملف سماحة، وعبارة «شكراً ريفي» على مواقع التواصل الاجتماعي تفي بالغرض وتظهر حجم الضغوط وما فعلته استقالة وزير العدل وتصعيده خلال فترة توقيف سماحه وعند خروج الأخير واستئناف الحكم، وبدون شك فان ريفي الذي التبست استقالته وظهر «غير معلق وغير مطلق» عندما لم يبت باستقالته من الحكومة يشعر اليوم بان العدالة تحققت وبان المحكمة العسكرية انصفته وهو الذي طالب بالغائها قبل نحو شهرين وبالتالي فان عودته الى الحكومة تصبح مبررة مع انتفاء سبب الاستقالة بعدم احالة القضية على المجلس العدلي. وتضيف اوساط مقربة منه ان ريفي في الأساس لم يستقل فعلياً واستمر بممارسة مهامه العدلية ولم يوقف عمله منذ الرابع عشر من آذار فكان يوقع بريد وزارته من مكتبه في الأشرفية لأنه كان مطمئناً لعدم قبول استقالته، حيث يصعب تعيين خلف له وبان تيار المستقبل رغم تمرده لا يقبل التفريط بصلاحيات السنة في وزارة العدل واحالته، وعليه اندلعت المواجهة الصامتة في أزمة التواقيع بين ريفي وشبطيني بعدما حاولت الأخيرة ان تمارس وظيفتها كوزيرة بالوكالة في حين كانت مجموعة ريفي في الوزارة تمارس التضييق عليها وعدم التعاون.
بدون شك فان استقالة ريفي كانت الى حد ما شكلية بحسب الاوساط المقربة من ريفي لأنه مارس دوره وصلاحياته على أكمل وجه وفي كل التفاصيل والملفات فطلب مؤخراً من القاضي سمير حمود بالتحرك على خلفية رفع لافتة مسيئة للسعودية في جل الديب، ولم يوقف عمله متسلحاً بعدم قبول رئيس الحكومة استقالته، والحريري الذي بدا موقفه ملتبساً على البعض في موضوع ريفي، فثمة من يرى ان الحريري ارتاح من «حمل» ريفي في المستقبل بعدما كبر وزير العدل وشكل حالة خاصة في طرابلس وثمة من يعتبر ان الحريري ليس في صدد التخلي عنه باعتباره من صقور المستقبل لكن ثمة من حاول تحجيمه بعدما كبر دوره وفاض حجمه على الساحة الداخلية، فهو استطاع ان يتمايز ويحدث اختراقاً ويتوسع خارج دائرة المستقبل وجدران السراي وبات يملك حيثية سياسية لا تملكها القيادات المستقبلية الأخرى مما اقتضى ازاحته لبعض الوقت او محاولة تأديبه سياسياً. في مطلق الاحوال فان أشرف ريفي بدا انه الكاسب الأكبر من حكم سماحه ودخوله مجدداً الى السجن، فطريق العودة الى «العدل» صارت سالكة والعلاقة مع السعودية الى تقدم والحكم على سماحه يعد انتصاراً للفريق المتشدد وفي طليعته ريفي في المستقبل. يبقى ان تفاصيل العودة والعلاقة مع الحريري في المستقبل وحدها ملك ما يقرره زعيم المستقبل.