IMLebanon

«هل سمير القنطار شهيد»؟!

احتلّ هذا السؤال مواقع التواصل الاجتماعي بالأمس خصوصاً Facebook والذين طرحوا السؤال طرحوه لأنهم وجدوا أن «القنطار» قتل في سوريا وأنّه كان يقتل الأبرياء من الشعب السوري، فكيف يكون شهيداً؟! وهذا سؤال محقّ ومشروع، خصوصاً بعدما فرّغ حزب الله «مسألة الشهادة» من مضامينها الدينيّة، وهو يذيّل لوائح قتلاه بجملة «سقط أثناء قيامه بواجبه الجهادي المقدّس»!!

عنوان آخر تصدر Facebook بالأمس وهو للزميلة الإعلامية ديانا مقلّد حمل عنوان ? لن ـ أرثي ـ قاتل، أنا أيضاً كان رأيي من رأيها، فعملية نهاريا التي يمجدونها أسفرت عن قتل القنطار لامرأة وطفليها، وبصرف النظر عن «معمعة» التحاقه بالمقاومة، فالرجل حاز في سجون العدو الإسرائيلي حقوقاً كاملة لم يكن لينالها لو كان في سجن المزّة السوري!!

وبعيداً عن سمير القنطار وواقعة مقتله في سوريا، كشفت مواقع التواصل الإجتماعي بالأمس جهلاً حقيقياً بمعنى كلمة شهيد في اللغة وفي القرآن وفي السنّة، فالشهيد في اللغة: الحاضر، والشّاهد: العالم الذي يبين ما علمه، ومنه قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143]…

سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحابته: «مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ» (رواه مسلم، الحديث الرقم 3539).

وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ [دمل أو خّراج كبير يظهر في باطن الجنب، وينفجر إلى الداخل، قلما يسلم صاحبها. وذو الجنب: الذي يشتكي جنبه بسبب ذلك الدمل، أو الخارج وهو يسمى»دبيلة»]، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ [َالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ» (رواه أحمد، الحديث الرقم 15426)] (رواه أبو داود، الحديث الرقم 2704).

ونهى النبيّ في أكثر من واقعة عن القول فلان شهيد، فكان يسأل من قالها: «وما أدراك»؟

روى  أبو هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله» [أي يجرح] وفي حديث مرفوع أخرجه أبو نعيم  من طريق عبدالله بن الصلت  عن أبي ذر  قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعدون الشهيد؟ قالوا: من أصابه السلاح قال: كم من أصابه السلاح وليس بشهيد ولا حميد وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صدّيق وشهيد»، وروى  سعيد بن منصور  بإسناد صحيح عن مجاهد  قال: «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال: لا يخرج معنا إلا مقوى فخرج رجل على بكر ضعيف فوقص فمات، فقال الناس: الشهيد الشهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال  نادِ إن الجنة لا يدخلها عاص».

ومن حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه خطب فقال «تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا، ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد».

ومما نقل عن الصحابي الجليل عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «إِيَّاكُمْ أَنْ تَقُولُوا مَاتَ فُلانٌ شَهِيدًا، أَوْ قُتِلَ فُلانٌ شَهِيدًا، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ لِيَغْنَمَ، وَيُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَإِنْ كُنْتُمْ شَاهِدِينَ لا مَحَالَةَ، فَاشْهَدُوا لِلرَّهْطِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَقُتِلُوا، فَقَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا».

لقد شبعنا متاجرة بالدماء، وتحويل القتلة إلى قديسين، وتوزيع شهاداتٍ في «الشهادة» وبطاقات «تثير الضحك» يكتب عليها: «والد شهيد» أو «شقيق شهيد»، هذه تجارة تطاول على الله ورسوله بصراحة «ولك قرّفتونا» هذا الحديث!!

* أتوجّه إلى جميع القراء بمعايدة قلبيّة صادقة في شهر مولد نبيّ الرحمة وإشراق طلعة أنواره المحمديّة، جعلنا من أهل معيّته وصحبته في الدنيا والآخرة..