عندما طلب مسؤولون لبنانيون من مسؤولين فرنسيين في حرب العام 1975 مساعدتهم على وقفها قالوا لهم: “اذهبوا الى واشنطن”. والآن عليهم أن يذهبوا الى طهران لحلّ أزمة الانتخابات الرئاسية وليس الى اي مكان آخر. فكما انه كانت لاميركا أهداف لم تستطع تحقيقها إلا بعد حرب دامت 15 سنة في لبنان، فقد يكون لايران أهداف من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية التي مرت عليها سنة حتى الآن، وعسى ألا تدخل السنة الثانية ولبنان بلا رئيس.
وكان كل زعيم لبناني يحاول وقف تلك الحرب يتعرض للاغتيال أو للنفي، وكان من أهداف تلك الحرب أن يتغلب الفلسطيني المسلح ومن معه على المسيحي المسلح ومن معه أو العكس، فيرتاح لبنان من العمليات العسكرية التي كان يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون من لبنان ضد اسرائيل فترد عليها باجتياح اجزاء من الجنوب اللبناني فيتشرد عدد من ابنائه وتدمر منازلهم وممتلكاتهم وترتاح اسرائيل أيضاً من هذه العمليات. وقد أدارت أميركا تلك الحرب على أساس ألا يكون فيها غالب ومغلوب وذلك برسم خطوط حمر ممنوع على المتحاربين تجاوزها، وحظرت على سوريا استخدام الطيران، وإن هي فعلت يتصدى لها الطيران الاسرائيلي. ولم تنته الحرب التي تحولت حرب استنزاف إلا حين نضجت طبخة الصفقة الأميركية مع سوريا حافظ الأسد، وهو ما جعل الفقيد الكبير ريمون إده يتصدى لهذه السياسة الأميركية المصلحية بتوجيهه كتاباً مفتوحاً الى وزير الخارجية الاميركي حينذاك هنري كيسينجر انتقد فيه بشدّة تلك السياسة واتهمها بالعمل على تقسيم لبنان كما قسمت قبرص. ومذذاك كثر الكلام على “قبرصة” لبنان.
وعندما تعذّر انتصار طرف في لبنان على طرف آخر بعد 15 سنة من الحرب العبثية المدمرة، كانت الولايات المتحدة الاميركية “تطبخ” خلال هذه المدة الطويلة صفقة مع الرئيس حافظ الأسد يتولى بموجبها وقف الاقتتال في لبنان بموافقة عربية ودولية وعدم ممانعة اسرائيلية وبغطاء من “اتفاق الطائف”. وكان لا بدّ لاتمام هذه الصفقة من جعل المسيحيين خصوصاً يقبلون بذلك بوضعهم بين خيارين: إما أن يواجهوا هزيمة عسكرية ترغمهم على الهجرة، وإما ان يقبلوا بدخول قوات سورية تدفع عنهم هذه الهزيمة وتخرج الفلسطينيين المسلحين من لبنان الى تونس فيرتاح لبنان وترتاح اسرائيل أيضاً، وهو ما حصل. وقد اضطر لبنان الى ان يدفع الثمن من سيادته واستقلاله وصاية عليه دامت 30 عاماً.
وكما لعبت أميركا لعبة الحرب في لبنان لتحقيق أهدافها، تحاول إيران أن تلعب لعبة الانتخابات الرئاسية بتعطيل اجرائها رغبة منها في قبض ثمن حلّ أزمة استمرارها. وقد نجحت في جعل نواب “حزب الله” يتغيبون عن جلسات الانتخاب ويتضامن معهم نواب العماد ميشال عون، وإن اختلفت الاهداف. واذا كان “حزب الله” يريد أن يجعل من الانتخابات الرئاسية ورقة في يد ايران للضغط والمساومة مع المفاوضات مع اميركا عند البحث في الملفات الشائكة، فإن عون يريد أن يبقى المرشح الأوحد للرئاسة وإلا فلا رئيس.
لذلك فلا خروج من أزمة الانتخابات الرئاسية إلا باعتماد أحد الحلول الآتية:
أولاً: ان يقرر المقاطعون حضور جلسات الانتخاب تأميناً للنصاب ولا سيما نواب “تكتل التغيير والاصلاح” كي لا يتحمل المسيحيون مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي، ولا يظلون يربطون موقفهم بموقف نواب “حزب الله” الذين لهم أهداف غير أهدافهم. واذا كان لا عتب على المسيحيين، وتحديدا الموارنة، اذا لم يتفقوا على مرشح للرئاسة، فان العتب عليهم يبقى كبيراً اذا استمروا في تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس.
ثانياً: محاولة اقناع ايران بفصل الانتخابات الرئاسية في لبنان عن مفاوضات ملفها النووي وعن الملفات الشائكة في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، فلا تكون جزءاً منها في لعبة البيع والشراء.
ثالثاً: أن تحسم الأكثرية النيابية الخلاف على تفسير المواد الدستورية المتعلقة بانتخاب الرئيس فتقرر إلزامية حضور النواب جلسات الانتخاب أو عدم إلزامية حضورهم، حتى إذا تغيّب نواب من دون عذر مشروع فلا يكون تغيبهم تقصيراً بالواجب.
رابعاً: أن يقرّر مجلس النواب، ولمرة واحدة، جواز انتخاب رئيس الجمهورية بأكثرية النصف زائداً واحداً عند تعذر انتخابه بحضور الثلثين، وهذا القرار قد يحض النواب على حضور الجلسات وعدم التغيب عنها ليشاركوا في انتخاب الرئيس، ولئلا يصبح تعطيل الجلسات قاعدة يلجأ اليها كل من لا يريد انتخاب رئيس لا يعجبه فيضع البلاد بين خيارين: إما تعطيل الانتخابات الرئاسية، وإما القبول بالمرشح الذي يريده المعطلون….
إلى ذلك فإن الكلمة تبقى للنواب في انتخاب رئيس يكون من صنعهم، أو تبقى لايران بثمن أو من دون ثمن، ولا أحد يعرف متى تقولها.