انسحبت حرارة الطقس على حرارة الانتخابات البلدية والاختيارية، في مرحلتها الثانية في جبل لبنان، حيث تفاوتت عناوين المعارك الانتخابية في مرحلتها الثانية، لكن أهمها وأكثرها حساسية سُجل في عاصمة كسروان التي كانت مسرحاً لمواجهة سياسية ـ رئاسية مغلّفة بقشرة بلدية، بعدما أصبحت طريق بعبدا تمر في جونية، فقد شكل الإقبال الشعبي إحدى أبرز العلامات الفارقة لليوم «الجبلي» الطويل، حيث فتحت شهية المسيحيين على الاقتراع في جبل لبنان بحسب مصادر مسيحية، نتيجة تفاعل عوامل عدة، لعل أهمها، رفع القوى السياسية المسيحية من سقف الانتخابات البلدية، لتحديد الموازين الحزبية وحجم الزعامات، حضور الناخب المسيحي يصبح قوياً حيث يملك حرية تقرير المصير والقدرة على التأثير، فجاءت نتائج الصناديق مختلفة ومتضاربة إلى حد التناقض، اختلط العائلي فيها بالعشائري، المذهبي بالحزبي، وقد تظهر المشهد فاقعا في الائتلافات والاختلافات التي تغيرت وتبدلت بين بلدة وأخرى.
وبغضّ النظر عن الملاحظات التي يمكن تسجيلها لناحية المضمون حيث تكاد المشاريع والبرامج الانمائية التي على أساسها يجب ان تبنى المنافسة، التي غابت وسط غابة الاعتبارات السياسية والعائلية والخدماتية، سجلت المصادر الملاحظات التالية بعدما انقشع غبار المعارك:
– اهتزاز صورة التفاهم بين «التيّار» و«القوات» دون ان يعني ذلك سقوطه اقله حاليا، اذ تشير المصادر الى ان الرياشي حمل الى عون رسالة واضحة من «الحكيم» مفادها أنّ الاختلاف، ولو وقع في بعض المناطق، إلا أنّ الخلاف لا يمكن أن يحصل.وفي هذا المجال اعترف مرجع مسيحي بارز ان العلاقة بين الحزبين الحليفين تحتاج بعد انتهاء الانتخابات البلدية الى إجراء جردة شاملة لمكامن الاخفاقات وتحويل السلبيات المتراكمة الى نقطة إنطلاق جديدة لعلاقة أكثر صفاء.
– «فشل» «التيار الوطني الحر» ،الذي أراد الانتخابات في جونية استفتاءً على شعبية «الجنرال»، ان يحصد تماما ما كان ينتظره من معركة اثبات الوجود التي أعلنها. فالمنازلة التي خاضها العماد ميشال عون على قاعدة أنها مفصلية وأن الفوز فيها هو جزء من شروط النصاب السياسي والشعبي المطلوب لانتخابه رئيساً، وفي المقابل، وجد معارضو الجنرال في اختبار جونية فرصة لإحراجه في عرينه الكسرواني والنيابي، سعياً الى تحجيم نفوذه في لعبة الأوزان المسيحية، وبالتالي تقويض شرعية ترشيحه الرئاسي، وإضعاف حظوظ انتخابه. في المقابل، تبين ايضا ان ما قيل عن ان كلمة العائلات الكسروانية التقليدية هي الاقوى،لم يكن دقيقا اذ تبين ان المعركة لم تكن سهلة وانتهت بهزيمة ولو مشرّفة لها. عليه تؤشّر النتيجة المتقاربة جدّاً في الأصوات التي نالها مرشّحو اللائحتين الى أنّ المعنى السياسي للمعركة سقط، ويصعب على أيّ فريق البناء عليه أو استغلاله في الحسابات السياسيّة، أو النيابيّة وخصوصاً الرئاسيّة
– لعبت «القوات» بذكاء ، فتحالفت مع «العونيين» في مناطق قوتهم، ونافستهم في أماكن ضعفهم، وأبعدتهم مسبقا عن جبيل.
-كرس الرئيس ميشال المر زعامته بادارة المعركة الانتخابية وحصده نتائجها، حاصدا 41 مجلساً بلدياً و64 مختاراً، فمنع «العونيين» و«القواتيين» من الوصول إلى اتحاد بلديات المتن، وثبت بذلك أيضا ان لا صحة لمقولة ثمانين في المئة التي يمثلها تحالف «التيار» و«القوات».
– تمكّن حزب «الكتائب» بفضل استراتيجيّة تغليب العامل الإنمائي على البعد السياسي في الانتخابات من الفوز بالعديد من البلديات والاستحواذ على مقاعد في أخرى. كما ارتسمت في العديد من بلدات المتن معالم تفاهم أبرمه رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل مع المر، ردّاً على «تفاهم معراب»
-أظهرت النتائج أن حزب الطاشناق هو الرابح الأكبر اختياريا، حيث حقّق نسبة قياسيّة في عدد المخاتير الذين فازوا في بيروت، كما فازت كامل اللوائح التي دعمها في المتن، من سن الفيل، الى بصاليم مرورا بجل الديب، انطلياس والضبيّة، فضلا عن تاييده لائحة زياد الحواط في جبيل. وفي هذا الاطار يتوقع بحسب المتابعين أن تترك هذه النتائج أثرها السلبيّ على العلاقة بين الطاشناق والتيّار الوطني الحر، مع تخلف الحزب الأرمني عن الوفاء بوعده بالتصويت للائحة المدعومة من «البرتقالي» في انطلياس.
– لم يكن حصاد اليوم الانتخابي في جبل لبنان وفيراً للتيّار الوطني الحر. حقّق فوزاً صعباً في جونية، وانتصاراً مشتركاً مع القوات اللبنانيّة في دير القمر وبلدات أخرى، إلا أنّه خسر معاركه كلّها في ساحل المتن، وبعضها في وسطه وجرده، ومعارك أخرى في كسروان وبعبدا.و كما حصل في الأشرفية، أصيب جسم «التيار الحر» في جلّ الديب بالتفسخ البلدي، فالنائب نبيل نقولا كان نجم الانتخابات في عرين المتن، لم يسبح ضد «التيار» كما أشيع في جل الديب، لكنه منع الطيار ابراهيم كنعان من ان يحط في الجل، بعد عجز الأخير عن فرض أعضاء في بلدته الجديدة الفائزة بالتزكية لمصلحة المر.
– دخول العميد شامل روكز الاول على الخط ، داعما المعركة في جونية ،وناجحا في تمرير التزكية في الدكوانة، وسط غياب لافت لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بشكلٍ كامل عن المشهد الانتخابي، حيث أمضى عطلة نهاية الأسبوع مع عائلته محتفلا السبت بالقربانة الأولى لنجله
من المعطيات التي ستنجم من انتخابات جبل لبنان، ان ما بعد الأحد 15 أيار ليس كما قبل هذا التاريخ، من حيث التحالفات والخصومات، رغم ان عجلة الانتخابات البلدية الماضية من دون عوائق تذكر، لتاتي عمليّة الاحد في سياق اثبات أنّ النجاح الإجمالي للمرحلة الاولى في بيروت والبقاع، على المستويين الإجرائي والأمني، لم يكن مجرّد مصادفة أو استثناء، وليبقى الغائب الأكبر عن الانتخابات، كان الانماء، وما لحظ له في البرامج كان شفويا، ارتجاليا ومخيفا، اذ انحصر في اطر بدائية، ماء وكهرباء وصرف صحي وطرقات ومساحات خضر.