IMLebanon

هل يكون سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية؟

لم يعلن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ترشيحه رسمياً إلى رئاسة الجمهورية. ولم يقل انه غير مرشح. ومنذ بداية المعركة الرئاسية حدّد موقفه وموقعه بوضوح جرياً على عادته في كل القضايا والمعارك. ولم يبدّل يوماً في موقفه ولم يحد عما يعتبره انسجاماً مع النفس والقناعات. هو قال منذ البداية ان العماد ميشال عون هو مرشحه إلى رئاسة الجمهورية وهو من تنطبق عليه مواصفات الرئيس القوي، كما يعتبره الأحق في تولي الرئاسة لأنه يمثل اكثر من غيره مسيحياً ويستند إلى قاعدة شعبية وكتلة نيابية وازنة…

واضح سليمان فرنجية وضوح الشمس وصريح وثابت في مواقفه «وما بدل تبديلا». ولعل هذه الصفات التي يتمتع بها ويتميّز بها هي التي تشكل نقطة القوة الأساسية لديه وهي التي تقرّب الناس منه وتجعله في موقع احترام وتقدير حتى لدى خصومه السياسيين الذين يرتاحون في التعاطي معه لأنه صاحب وجه واحد ولسان واحد ولا يتحدث بلغتين ولا يقول في العلن غير ما يقوله في السرّ والخفاء. فهو يعرف ماذا يريد ويقول ما يريده من دون مواربة ولف ودوران.

ليست الصراحة وحدها التي تشدّ الناس والرأي العام إلى «ابو طوني». ثمة صفات ومزايا اخرى لا تقل اهمية وتدور كلها في فلك الصدق والشهامة والفروسية. سليمان فرنجية ثابت على مواقفه وخياراته التي لا تتبدل بتبدل الظروف والرياح… وسياسته لم تكن يوماً مزاجية وانما مبنية على قناعات ومبادىء. وسليمان فرنجية وفيّ لاصدقائه لا «يطلع» منهم ولا يتنكرّ لهم في مطلق الظروف، وملتزم بعلاقاته وما يترتب عليها من موجبات والتزامات. ليس لديه ما يخجل به وليس لديه ما يخفيه. ولذلك فانه عندما يجاهر بصداقته التاريخية والعلاقة العائلية مع عائلة الاسد في السراء والضراء، فانه لا يتأثر بظروف ولا تحكمه حسابات ربح وخسارة. ويُقابل في هذه الحالة حتى من الذين يعارضون بشار الأسد ويكرهونه سياسياً باحترام لأنه رجل موقف وصاحب مبدأ.

والثابت هنا ان علاقة فرنجية بالاسد لم تضعف من موقعه ورصيده السياسي والشعبي ولم تؤثر في حظوظه ومعركته الرئاسية. فبعد الخروج السوري من لبنان ظنّ كثيرون ان العصر الذهبي لفرنجية إلى أفول وان مغادرة السوريين لبنان تعني مغادرته للحياة السياسية. ولكن تبيّن ان وضعيته وزعامته الشمالية لم تضعف قيد انملة مثبتاً انه يستند إلى حيثية شعبية خاصة وإلى قوة ذاتية وانه يستمد زعامته من تاريخ عائلي عريق ومن رصيد شعبي راكمه على مرّ سنوات.

كما تبيّن ان الرأي العام المسيحي عموماً يقيم فصلاً بين الانتماء السياسي لرئيس تيار المردة وعلاقته المميزة مع عائلة الأسد، وبين وضعه و«تصنيفه» مسيحياً كواحد من أبرز واشرس المدافعين عن حقوق المسيحيين ومصالحهم. فهو في هذا المجال لا يتهاون ولا يهادن ويسلك النهج الذي كان أرساه جده الرئيس سليمان فرنجية وكرّسه في مؤتمر جنيف عام 1983. ولا نجافي الواقع إذا قلنا ان فرنجية يعتبر «قيادياً متعصباً» لطائفته ومسيحيته ولكنه يعرف كيف يغلّف هذا التشدد بغلاف شفاف من الصدق والاعتدال والانفتاح والمرونة. وهذا ما مكّنه من نسج شبكة واسعة من العلاقات مع كل القوى والمرجعيات والطوائف في لبنان وايضاً مع اوساط اقليمية ودولية…

ولذلك فان فرنجية إذا ما قرّر خوض معركته الرئاسية فان قراره لا يأتي من فراغ وانما يستند إلى أساس وإلى واقع يفيد ان مقومات المعركة متوافرة وان حظوظه للفوز بالرئاسة ليست ضعيفة لا بل هي الأقوى مقارنة بحظوظ وفرص المرشحين الثلاثة الاقوياء الآخرين (الجميل – عون – جعجع).

يحوز فرنجية ثقة الطائفة الشيعية وينطلق من كتلة داعمة له قوية ومتراصة، لا بل يكاد ان يتفوق على عون داخل الطائفة الشيعية كونه يحظى ايضاً بتأييد ودعم الرئيس نبيه بري له من دون تحفظ وتردد وبصفته حليفاً وليس بصفته حليف الحليف كما الحال مع عون. وما لم يستطع العماد ميشال عون ان يحققه من «اختراق» داخل الطائفة السنيّة وحيازة حدّ ادنى ومعقول من اصوات سنيّة، نجح فرنجية في تحقيقه.

فهو أولاً الأقرب سياسياً وجغرافياً إلى طرابلس ونوابها، وهو ثانياً ما زال يحتفظ بصلات وخطوط مفتوحة مع «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري رغم الخلافات السياسية. ونادراً ما حصل اصطدام واشتباك بين الطرفين وإذا حصل ذلك يبقى محصوراً ومضبوطاً ضمن «قواعد اللعبة والاصول السياسية».

في الفترة الاخيرة حصل تقدم آخر على خط العلاقة بين فرنجية والطائفة السنية، عندما بدأنا نسمع رئيس كتلة نواب المستقبل فؤاد السنيورة يوجه من على طاولة الحوار اشارات الودّ والغزل السياسي باتجاه فرنجية الذي كان بدوره «مرّر» تسديدات سياسية هادفة وايجابية باتجاه ملعب «المستقبل»، عندما ميّز نفسه عن عون، متمسكاً باتفاق الطائف ومبدياً الحرص على صلاحيات رئاسة الحكومة والتوضيح ان المطالبة بتعزيز دور وصلاحيات رئاسة الجمهورية لا تعني المسّ بصلاحيات رئاسة الحكومة وان يكون الأمر على حسابها.

وأما بالنسبة للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، فان سليمان فرنجية لا يشكل له ما يشكله الاقطاب الثلاثة الآخرون، من هاجس وقلق وتوجس. فزعامة فرنجية تقع خارج جبل لبنان ولا تتعارض أو تتصادم مع زعامة جنبلاط. وكلاهما ينتميان إلى الطبقة السياسية التي نشأت وتعززت في الحقبة السورية ولا مشكلة لديهما في التناغم والتفاهم.

وحتى على المستوى المسيحي يبدو وضع فرنجية هو الأفضل مقارنة بغيره ومشاكله مع الاطراف المسيحية الى تحسن كبير… الحوار بين القوات اللبنانية وتيار المردة يسير بخطى ثابتة والعلاقة مع الكتائب جيدة وخصوصاً بعد تسلم سامي الجميل رئاسة الحزب وينقصها التزخيم والتطوير… ويمكن القول ان سليمان فرنجية يشكل قاسماً مشتركاً لمختلف القيادات والقوى المسيحية وهو مقبول من الجميع بنسب متفاوتة ويمتلك قدرة التواصل والتفاهم مع الجميع من دون عقد واحكام مسبقة.

يعرف سليمان فرنجية وضعيته في معركة رئاسة الجمهورية ويعرف الظروف المحيطة بهذه المعركة. كما يعرف انه مقبول من «الفريق الآخر».

فرنجية يعرف ايضاً ان لا مكان له في الصدارة وفي المنافسة على المركز الأول في الوقت الحالي طالما العماد عون ما زال في السباق ومتمسكاً بترشيحه. ولذلك يستمر فرنجية في المقعد الخلفي أو في «مقعد الاحتياط» مكتفياً بدعم عون لأنه بذلك يدعم معركته ويمهد لترشيحه…

في الختام يعرف سليمان فرنجية ان لا انتخابات رئاسية في الوقت الحاضر قبل جلاء الحرب والصورة في سوريا وان هوية الرئيس اللبناني المقبل تحددها الظروف إلى حد كبير في ضوء ما سيؤول إليه وضع المنطقة ومصير ومستقبل الرئيس السوري بشار الأسد وان الملف اللبناني هو في ثلاجة الانتظار في الوقت الراهن حتى يقضي الله امراً كان مفعولا… وهو يقيم حساباته على اساس القول المأثور: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.