Site icon IMLebanon

هل سوريا فعلاً ذاهبة إلى التقسيم والدويلات الطائفية؟!

 

 

ما دام أَّن الروس ماضون فيما جاءوا من أجله إلى سوريا وأنهم أصروا ويصرون على مواصلة قصفهم وعملياتهم العسكرية ضَّد ما يسمونه التنظيمات الإرهابية وهم يقصدون المعارضة المعتدلة٬ ثم وما دام أن إيران تعتبر أن هذه الحرب المدمرة هي حربها وحرُب نفوذها في هذه المنطقة وأنها لن توقفها «حتى النصر أو الشهادة»!! وكذلك وما دام أن هناك دعًما أميركًيا وروسًيا لـ«قوات الحماية الكردية» برئاسة وزعامة صالح محمد مسلم٬ فإنه من المستبعد جًدا أن يكون هناك أي توقف ولو مجرد هدنة مؤقتة في هذا الصراع الذي تحول من صراع داخلي٬ إلى صراع إقليمي ثم إلى صراٍع دولي أعاد العالم إلى مرحلة الحرب الباردة!!

لو أن الروس٬ الذين يحتلون سوريا احتلالاً عسكرًيا سافًرا٬ وغدوا هم أصحاب القرار في هذه الدولة التي ترفع فوق مقرراتها الرسمية شعار «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة»٬ يريدون حلاً ولو على أساس الحد الأدنى مما جاء في اتفاق أو بيان (جنيف1) فلم أفشلوا (جنيف3) ولم بادروا إلى كل هذا القصف البربري التدميري الذي استهدف منطقة حلب ولم واصلوا حربهم المسعورة في كل الأراضي السورية؟ إنه لا يوجد أي مؤشر على أَّن طريق حل الأزمة السورية أصبح سالًكا وآمًنا بعد مؤتمر ميونيخ العتيد. والواضح أنه حتى إذا عاد المتفاوضون إلى «جنيف» فإن ما حدث في المرة السابقة سيحدث هذه المرة أيًضا٬ فالروس ما زالوا يصرون على موقفهم السابق وأنهم احتلوا هذه الدولة العربية ليبقوا فيها كما بقي الاتحاد السوفياتي السابق في كل دول أوروبا الشرقية.

وهكذا فإن الواضح والمؤكد أن مرحلة ما بعد مؤتمر ميونيخ هي مجرد مرحلة تحسين مواقع٬ ويقيًنا أنه لولا القرار الحاسم والشجاع الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بإرسال قوات سعودية برية إلى سوريا وإرسال طائرات حربية إلى قاعدة «إنجْرليك» التركية فلم حدثت كل هذه التطورات التي حدثت ولم تحرك العالم ضد روسيا ولم غَّير الأميركيون موقفهم وبدأ وزير خارجيتهم يتحدث بلغة غير اللغة البائسة السابقة التي كان يتحدث بها عشية جنيف3) الفاشل وبعده.

إن هذا واقع الحال وإَّن هذه هي الحقيقة التي لا غيرها حقيقة٬ ولذلك فإنه لا بد من التساؤل: إلى أين هي ذاهبة هذه الأزمة التي كان بالإمكان احتواؤها في البدايات في عام 2011 لو أن بشار الأسد تصرف كرئيس دولة وليس كزعيم عصابة ولو أنه لم يرضخ لتوجيهات المحيطين به ولنصائح الذين نصحوه بأن عليه أن يستفيد من دروس مذابح «حماه» في عام 1982 التي ارتكبها والده فضمن وصول الحكم إليه.. «لأن هذا الشعب يخاف ولا يختشي ولا تنفع معه إَّلا القوة»!!

لقد أدلى نائب الرئيس الأميركي السابق (الجمهوري) ديك تشيني بتصريحات قبل يومين قال فيها إَّن الروس باقون في سوريا. وكتلميح إلى أنهم سيقيمون «الدولة العلوية» التي يجري الحديث عنها في هذه الأيام٬ أشار تشيني إلى أن روسيا ستحول اللاذقية إلى قاعدة لها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط لتعزز وتضمن وجودها المؤثر والفعال في هذه المنطقة الحيوية ثم وإن المعروف أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان قد قال بدوره٬ وكرر هذا القول أكثر من مرة٬ إن الروس سيقيمون «دويلة» لبشار الأسد في منطقة اللاذقية. ثم والمعروف أيًضا أن الأسد نفسه كان قد تحدث عن «سوريا المفيدة» عشية الغزو الروسي لبلد بات من المؤكد أنه لم يعد بلده. وهنا فإن هناك من نظر إلى هذا المصطلح «روسيا المفيدة» على أنه يعني الدولة العلوية التي يزداد الحديث عنها في هذه الأيام ولكن بإضافة شريط يربط اللاذقية بدمشق ويحاذي حمص وحماه من الشرق بينما يحاذي مناطق سيطرة حزب الله من الغرب.

قبل نحو ثلاثة أيام قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون: «إن سوريا ذاهبة لتصبح دويلات طائفية.. وسوريا التي نعرفها لن تكون موحدة في المستقبل القريب». وقال مدير عام وزارة المخابرات الإسرائيلية أرام بن باراك: «أعتقد في نهاية الأمر أن سوريا يجب أن تتحول إلى أقاليم.. إن تقسيمها هو الحل الممكن الوحيد». ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان قد قال هو بدوره بعد مؤتمر ميونيخ الآنف الذكر: «إَّن  سوريا الموحدة والديمقراطية التي لكل أبنائها لن تكون في عهد بشار الأسد». لقد كان أول وزير خارجية لإسرائيل موشيه شاريت قد قال في اجتماع ترأسه ديفيد بن غوريون وحضره بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين من بينهم حاييم وايزمان٬ إنه لا ضمان لبقاء إسرائيل في هذه المنطقة إَّلا إذا تم تحويل دولها (العربية) إلى دويلات طائفية تشكل فيما بينها «كومنولث» طائفي يكون للدولة اليهودية فيه مكانة بريطانيا العظمى في «الكومنولث البريطاني».

إنها مسألة توجع القلب وهي في منتهى الخطورة بل هي مؤامرة العصر إن استطاع الروس أخذ ليس هذه المنطقة بل العرب كلهم إلى هذا الخيار المؤامرة.. لكن ومع ذلك فإنه عليها أن تتساءل: هل فعلاً يا ترى أن سوريا٬ قلب العروبة النابض٬ ذاهبة إلى التقسيم والدويلات المذهبية وإلى التشرذم والمصير المجهول؟

إن من أفشل هذه المؤامرة في بدايات الانتداب الفرنسي على سوريا هو الزعيم العروبي (العلوي) صالح العلي والآن فإن بإمكاننا أن نراهن على أن أحفاده من العروبيين والقوميين من أبناء هذه الطائفة الكريمة هم من سيفشلون هذه المؤامرة ويحبطونها وبمساعدة ومساندة العرب الخيرين والدول العربية التي تقف في الخندق الأمامي دفاًعا عن هذه الأمة العظيمة.. وهنا ولمن لا يعرف فإنه لا بد من الإشارة بل لا بد من التأكيد على أن هذا النظام٬ نظام حافظ الأسد وابنه وعائلته٬ لم يواجه منذ عام 1970 أي تهديد فعلي إلا التهديد العلوي أولاً مما يسمى جماعة صلاح جديد٬ وثانًيا مما يسمى جماعة محمد عمران٬ ثم من جماعة رفعت الأسد..

وكانت ذروة هذا التهديد في منتصف سبعينات القرن الماضي بعد التدخل السوري العسكري في لبنان.