عملا بقاعدة «اعطنا خبزنا كفات يومنا»، تعيش الحكومة اللبنانية العالقة في شباك ازمات المنطقة وتحولاتها، مغرقة معها البلاد في سلسة من الازمات السياسية ، الامنية، الاقتصادية المعيشية، البيئية والامنية، في حفلة فتح ملفات مزمنة، وتفجير اخرى دخانية لالهاء المواطنين الغارقين في هموم النفايات ولقمة العيش، المنتظرين الفرج الذي لن يأتي قبل ارتسام «خطوط التفاهمات» الإقليمية، وسط المحاولات الداخلية لاحترام «قواعد اللعبة» ضمن الخطوط الحمر المرسومة خارجياً.
فمع إرجاء فض عروض مناقصات تلزيم النفايات للمرة الثانية خلال 24 ساعة، ارتسمت في الافق اكثر من علامة استفهام، عكست، اقله شكلا، حال الإرباك المزمنة التي باتت علامة الحكومة السلامية الفارقة بحسب مصادر متابعة، في معالجة كافة الملفات والازمات، وفي مقدمتها ملف النفايات الذي كبر ككرة ثلج باتت تهدد السلم الاهلي اللبناني وتحوله الى ملف طائفي بامتياز. ازمة استفحلت منذ اتخاذ الحكومة لقرارها الاول، وما رافقه من تسويات من تحت الطاولة وفوقها ، حول دفاتر الشروط «الملغومة»، لجهة تركها للشركات المحظية تحديد التقنيات، اماكن المعالجة والطمر، ما اسس للورطة الحالية التي استندت اليها الاطراف السياسية المتضررة لاعادة فرض شروط مفاوضات واستدراج عروض جديدة فيما بينها.
وبحسب المعلومات فان «المشنوقين» اصرا خلال الاجتماع الجانبي في مكتب رئيس مجلس الانماء والاعمار ، على ان مسألة درس الملفات من قبل استشاري واحد، مسألة تفصيلية، خصوصاً أن الشركات قد تقدمت في أكثر من منطقة، وأن ملفاتها درست في منطقة من قبل استشاريين وفي منطقة أخرى من قبل استشاري واحد، في مقابل أصرار الوزير حسن خليل على موقفه، بان ذلك مخالف لدفتر الشروط، مطالبا بأن يُدرَس كل عرض من العروض الـ 17 المقدمة في ست مناطق لبنانية من قبل استشاريَّين في الحد الأدنى، اولا، لأن طبيعة الائتلافات مع الشركات الأجنبية تختلف بين منطقة وأخرى، وثانيا لان تقنيات التخلص من النفايات متروكة للمتعهد. جدل رأت فيه المصادر قطبة مخفية، عزتها مصادر سياسية، الى ان حسابات حقل المناقصة بجزئها البيروتي جاءت مخالفة لبيدر المحاصصة، اذ تبين ان الفائز «شيعي» على حساب السني، فيما تبين شمالا ان الشخص نفسه يقف وراء ستار الشركة الفرنسية .
غير ان المراقبين لمسار الامور لا يتوقعون نتائج ايجابية من المشاورات السياسية التي ستشهدها الفترة الفاصلة عن الموعد الجديد، في ظل تشابك المصالح وبلوغ الازمة حدا يفوق قدرة الجميع على استنباط اي حل ناجع في كنف سياسات المحاصصة الطائفية المتبعة، واصفين ما حصل يوم الاربعاء بالفضيحة بكل المقاييس لا تعلو عليها سوى فضيحة تعامل السلطة مع متظاهري المجتمع المدني الذين يرفعون شعارات ضدّ الفساد، ووصولها لحدّ «التفاوض» معهم على فض اعتصامهم مقابل إطلاق بعض الموقوفين منهم، وكأنّ هؤلاء «مخطوفون» وأنّ «الفدية» المطلوبة لإطلاقهم هي ببساطة فضّ الاعتصام، معتبرة أنّ ذلك إن دلّ على شيء فهو أنّ الدولة اللبنانية وصلت إلى درجة من الانحدار والإفلاس لا يمكن أن تكون مقبولة بأيّ شكل من الأشكال.
وتكشف المصادر في هذا الاطار انه وفي حال اتفاق الاطراف السياسية على اعادة توزيع الحصص فيما بينها، فان النجاح في فض العروض والمباشرة في التلزيمات لن ينهي المشكلة التي ستبقى عالقة عند نقطتين اساسيتين الاولى ايجاد المطامر المطلوبة، والثانية مرتبطة بالاولى تتعلق برفض الناس المحيطين بالمواقع المختارة للامر، على غرار ماحصل ويحصل من تحركات مناطقية للجمعيات البيئية والمجتمع المدني ضد اقامة المطامر في القرى وعلى تخوم البلدات، في مواجهة تقسيم «بقرة النفايات» بين مستثمرين محسوبين على أطراف سياسية.
اوساط مطلعة كشفت ، ان الاتجاه الحالي في حال ثبتت «التوزيعة» على ما هي عليه ، ان مطمري الناعمة وسرار سيكونان الحل للازمة المتراكمة، مع تقدم الخيار العكاري بعيدا عن الاضواء بعدما بلع اهالي المنطقة مزحة «الانماء» التي ستبقى حبرا على ورق في ظل غياب الاموال والعجز الفاضح، على ان يترك للنائب جنبلاط سيناريو تخريجة مطمر الناعمة، الذي اكدت دراسة حديثة انه ما زال يملك طاقة استيعابية تكفي لستة اشهر، في مقابل طرح جديد تقدم به احد السياسيين التي يملك شركة مع شخصية سورية رفيعة، يقضي بنقل النفايات الى مطامر داخل الاراضي السورية مقابل مبالغ مالية معينة.
تعددت الاسباب لكن النتيجة واحدة، انتظار حل قد لا يأت، فيما الخوف أن يكون تقاسم الحصص هو السبب الحقيقي غير المعلن للتأجيل. من هنا يصبح مفهوماً التزام اللاعبين اللبنانيين بالبقاء كلٌّ وراء «متراسه» وإن بوضعيّة «هدْنويّة» في حين يزدحم «الوقت الضائع» بالنفايات المكدسة المنذرة بكوارث بيئية قاتلة ، بحسب تقارير وتصاريح اصحاب المعالي.