فصلت القمة الإسلامية الثالثة عشرة القولَ في إدانة إيران في صورة واضحة لا لبس فيها، مؤكدةً ما سبق أن تناولته في مقالات عدة نشرت لي في هذه الجريدة. فقد دانت القمة تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسورية والصومال، ودانت استمرار دعم إيران الإرهاب. وأكدت القمة أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية وإيران قائمة على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها، وحلّ الخلافات بالطرق السلمية، وفقاً لميثاق منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها. وهو ما تقوم إيران بمخالفته منذ أن قامت الثورة في ذلك البلد تحت مسميات مذهبية متعصّبة تتناقض مع سماحة الإسلام ووحدة الأمة الإسلامية.
فبالعودة إلى ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، نجد الفقرة الخامسة من الديباجة تنصّ على «احترام السيادة الوطنية لجميع الدول الأعضاء واستقلالها ووحدة أراضيها وصونها والدفاع عنها». ويتكرر هذا المبدأ في الفقرة الثالثة عشرة من الديباجة: «احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل دولة عضو»، وتأتي الإشارة في الديباجة للمرة الثالثة من الفقرة الثامنة عشرة، إلى «التقيد الصارم بمبدأ عدم التدخل في الشؤون التي تندرج أساساً ضمن نطاق التشريعات الداخلية لأية دولة». وفي المادة الأولى من الميثاق، نجد في الفقرة الثالثة تكراراً للمبادئ السابقة: «احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل دولة عضو». كما نجد في المادة الثانية من الميثاق من الفقرة الرابعة: «تتعهد جميع الدول الأعضاء باحترام السيادة الوطنية والاستقلال ووحدة الأراضي لكل منها، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين».
فبالنظر إلى هذه المواد من ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، وما ورد في إعلان مكة الصادر عن القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة المنعقدة في مكة المكرمة عام 2005، نجد أن الدولة الإيرانية لم تحترم التزاماتها التي تقيّدت بها عند توقيعها على هذا الميثاق وموافقتها على ذلك الإعلان، بل قامت، ولا تزال تقوم، بخرق أحكام الميثاق، وتنصّلت عن الوفاء بتعهداتها تجاهه في شكل فاضح، وبالإصرار على مخالفة القواعد الثابتة في ميثاق الأمم المتحدة وفي القانون الدولي، وهي القواعد ذاتها التي انبنى عليها ميثاق منظمة التعاون الإسلامي. لذلك، لا يكون في أي حال من الأحوال، كشف هذه الممارسات المنافية للقوانين الدولية والمتعارضة، ليس مع ميثاق منظمة التعاون الإسلامي فحسب، بل مع أحكام الشرع الحنيف والقيم الأخلاقية ومبادئ التراث الحضاري والثقافي الإسلامي، الذي كان للأمة الفارسية نصيب مقدّر في بنائه، لا يكون ذلك تدخلاً، في أي وجه من الوجوه، في الشؤون الداخلية لإيران، بل هو تنبيه إلى الأخطار التي تمثّلها هذه التدخلات الإيرانية المدانة، ورفض للممارسات الإرهابية التي تقوم بها إيران تحت عناوين كثيرة لنشر الفوضى في العالم العربي الإسلامي. وهو الأمر الذي اقتضى من القمة الإسلامية الثالثة عشرة أن لا تتردد في الدخول إلى البيوت من أبوابها، وفي أن تدين الإدانة الصريحة والمكشوفة وبعبارات قاطعة، تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، سواء من المنطقة العربية، أو من مناطق أخرى داخل العالم الإسلامي، ما بات يهدد الأمن والسلم، ليس في المنطقة العربية فحسب، بل في العالم كله.
والحق، أن التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء والتعرض بالسوء والإساءة لتشريعاتها الوطنية وأحكامها القضائية، هي المصدر الرئيس لحالة الفوضى الهدامة العارمة التي تعم المنطقة على نطاق واسع. لذلك، فإن المواقف الحازمة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية ومعها شقيقاتها العربية والإسلامية، للتصدّي لموجات الإرهاب في إطار التحالف العسكري الإسلامي، هي مواقف مسؤولة تنطلق من الالتزام الكامل بمبادئ ميثاق منظمة التعاون الإسلامي بالدرجة الأولى، وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى الذي يحكم العلاقات بين الدول حتى لا يصبح العالم ساحة للفوضى والتخريب.
إن انتظام العمل الإسلامي المشترك وفق القواعد المعتمدة في علاقات التعاون بين دول العالم، يتطلّب الاحترام الكامل غير المنقوص لميثاق منظمة التعاون الإسلامي، والامتناع عن ممارسة دور دولة الثورة التي تسعى بكل إمكاناتها لتصديرها إلى العالم الإسلامي والهيمنة عليه. فتلك أوهام لا يجدر بالدول الطبيعية أن تدعها تهيمن عليها وتقود سياساتها. فالقوانين الدولية بقدر ما تؤكد سيادة الدول واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، تؤكد المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات، فلا تمييز بين دولة وأخرى في تطبيق القوانين الدولية. ومنطق التعاون يفرض الإقرار بالمساواة الكاملة التي تحترم حقوق كل دولة ومصالحها.
لذلك، يجب على الدولة الإيرانية أن تراجع مواقفها وتعيد النظر في سياستها وتكفّ عن ممارسة إرهاب الدولة، حتى وإن كان يمارس أحياناً من طرف ميليشيات تدور في فلكها وتأتمر بأمرها، وذلك حفاظاً على سلامة العلاقات بين دول العالم الإسلامي، وحماية للتضامن الإسلامي، وتقوية لوشائج الوحدة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
تلك هي السبيل، التي لا سبيل غيرها، إلى ترجمة إعلان اسطنبول الصادر عن القمة الإسلامية الثالثة عشرة إلى ممارسات عملية مسؤولة على الأرض. فهل تعود إيران إلى الصراط المستقيم الذي يعصم المسلمين، وتتمسك بالحبل المتين الذي يجمعهم، أم أنها ستمضي في غلوها وغلوائها، وتدخلاتها وإرهابها؟ ذلك ما ستكشفه الأيام المقبلة.