قد تكون القراءات الاقتصادية مهمة قبل ان يأخذ الاحتياطي الفيدرالي قراره برفع اسعار الفوائد في كانون الاول المقبل سيما تطورات سوق العمل وارتفاع مستوى التضخم. لكن، وعلى ما يبدو، أخذ الاحتياطي الفيدرالي قراره في هذا الاتجاه، وبدا وبعد اجتماع أمس بأنه يقوم بمحاولة رصينة لتوجيه السوق في هذا الاتجاه.
سيكون الوقت الفاصل عن موعد رفع سعر الفوائد على الدولار، فرصة لرئيسة الاحتياطي الفيديرالي جانت يلين لمراقبة التطورات الدولية، سيما نتائج التيسير الكمي في اوروبا، والسياسات النقدية الاخرى المتّبعة حاليًا في اليابان والصين.
مع العلم ان المال السهل في الخارج يدفع الدولار الى الارتفاع بما يضر بالمصدّرين الاميركيين ويجعل من الصعب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الحصول على نسب التضخّم المرجوة (٢ بالمائة).
جاءت الرسالة التي بعث بها الاحتياطي الفيدرالي الى الأسواق موحدة باستثناء عضو واحد من اعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة Jeffrey lacker والذي اعترض على القرار بما يعطي يلين بعض الحرية في التعاطي مع الامور وقراءة الاحداث الى حين موعد كانون الاول القادم، مع العلم انه خلال هذه الفترة سوف يصدر بيانان للوظائف قد يساعدا في تحديد مسار الفترة المقبلة، وما إذا كان ملائما رفع المستوى المحدد في سعر الفائدة.
وبات العديد من الاقتصاديين يتوقعون زيادة معدل الفوائد في كانون الاول اذا جاءت تقارير الوظائف في تشرين الاول وتشرين الثاني على شيء من التحسّن مقارنة مع ايلول الذي شهد بعض التباطؤ.
وبدت الاسواق متقلبة في الفترة التي سبقت قرار الفيدرالي وبعده، وسجل اليورو ادنى انخفاض له منذ اوائل آب حيث انخفض بنسبة ١٪ الى ١،٠٨ بالمائة عقب هذا الاعلان.
وقد عكس المؤشر الذي يقيس الدولار امام سلة من العملات الرئيسية الخسائر، ليصل الى ٩٧،٧٧ بعد ان انخفض بنسبة 35 ،0 في المائة في عشر دقائق سبقت هذا الاعلان.
هذه المؤشرات قد تفيد في المستقبل القريب سيما وان الاسواق ستبقى متقلبة بانتظار ما سيحدث في كانون الأول، علما ان يلين سوف تتكلم مرتين في هذه الفترة وفي كل مرة ستكون الاوضاع الاقتصادية في الواجهة.
ويبقى أن رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاسعار الفوائد يؤثر على الاقتصاد العالمي، سيما وان اسعار الفائدة الاميركية يمكن ان تترتب عليها اثار عالمية اكبر مما كانت عليه في الماضي، خصوصا في الاسواق الناشئة، وقد أصبحت الصين اكثر اندماجًا في الاقتصاد العالمي.
والأثر الاكبر لهذه الخطوة سيكون على اسواق رأس المال اكثر منه على التجارة الدولية- لذلك وبالمطلق فإن الأدلة تشير ان الآثار غير المباشرة ستكون اكبر من الآثار المحلية في الولايات المتحدة.
اضف الى ذلك ان ارتفاع اسعار الفائدة الاميركية يمكن ان يؤدي الى أزمة ديون عالمية، سيما وان نسبة الديون وصلت الى مستويات مخيفة في جميع المناطق الرئيسية في الاقتصاد العالمي، بما يعني ان النظام المالي معرض لهزات، وقد يتأثر الى حد بعيد بالسياسة المالية المتبعة في الولايات المتحدة خصوصا رفع اسعار الفوائد.
وقد تضاعفت القروض بالدولار في الاسواق الناشئة (ER) منذ ازمة «ليمان برازرز» لتصل الى حدود ٣ تريليون دولار بما يعني ان هذه الأموال، ومع زيادة اسعار الفوائد، سوف تضطر لرفع خدمة الديون مما يشكل عائقًا كبيرًا امامها من ناحية دفع ديونها وخدمة الدين، كما يهدد امنها الاقتصادي ونموها.
وقد يكون الـ BIS (Bank of International settlements) وهو اذا شئنا يسمى بنك البنوك المركزية الهيئة الوحيدة العالمية التي رفعت الصوت عاليًا بعد ازمة ليمان وقالت ان النظام المالي مهدّد وغير مستقر الى حد خطير.
كذلك افاد تقرير الـ BIS ان الدول الغنية فشلت في تسوية الامور على مدى السنوات السبع الماضية او الاستفادة من اسعار فوائد متدنية كما فعلت دول الشمال الاوروبي بعد حدوث أزمات مصرفية منذ ربع قرن بل على العكس يبدو انهم وقعوا في الفخ الياباني. ومما يبعث على القلق هو ما سوف يحدث عندما يقرر الاحتياطي الفيدرالي رفع اسعار الفوائد ولأول مرة منذ العام ٢٠٠٦.
وفي دراسة جانبية لـ BIS جاء ان النظام المالي العالمي اكثر ما هو يرتكز على نسبة معدلات الاقتراض في الولايات المتحدة الاميركية ولا يتأثر إلا قليلًا بالجوانب الاخرى مثل اسعار العملات والروابط التجارية وغيرها- كذلك وجب القول، ودائما حسب الدراسات، ان معدل ارتفاع الفوائد الاميركية بنسبة ١٠٠ نقطة يحرك الاسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة النمو بنسبة ٤٣ نقطة.
اضف الى كل ذلك عقبة مهمة وهي ان البنوك المركزية لا تتوفر لديها خبرة في رفع اسعار الفائدة بعد فترة طويلة كانت فيها نسب الفوائد حوالي الصفر. وقد لا نعلم كيف ان الاقتصادات في الدول المتقدمة والناشئة سوف تستجيب، علما ان اسواق المال اكثر مرونة وقد تكون بدأت تستعد لهكذا ارتفاع الذي بات وحسب يلين على وشك الحصول في نهاية هذا العام .
هذه الامور جميعها تدعو الى مزيد من القلق من صحة النظام المالي العالمي وقدرته على التجاوب مع هكذا ارتفاع سيما وان ديون الدول الناشئة باتت كثيرة، والعديد من الدول اصبح يستدين باليورو لتمويل الانشطة التجارية وغيرها.
هذا الوضع يعني ان البنك المركزي الاوروبي بات في وضع منافسة مع الفيدرالي الاميركي بما يؤدي الى زيادة الطلب على اليورو حيث اسعار الفوائد ما تزال بعيدة من اي امكانية تحريك وكون المركزي الاوروبي مستمرا في عملية التيسير الكمي التي وحسب بعض المحللين بدأت تعطي مفعولا وان كان قليلا.
في المطلق، قد يتحرّك النظام المالي العالمي سلبا او ايجابا مع تحرّك اسعار الفوائد الاميركية التي كانت وما تزال المحرّك الأساسي لهذا النظام دون اي اعتبارات اخرى تذكر.