جاء منح جائزة نوبل للسلام العالمي للناشطة الإيزيدية العراقية نادية مراد، في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) 2018 تتويجاً لاحترام النساء الإيزيديات اللواتي وقعن في قبضة «داعش» وتعرضن لأبشع حالات الاغتصاب والتعذيب الجسدي والنفسي، وللنساء اللواتي يتم اغتيالهن في مدن العراق في وضح النهار وبدم بارد، بعد أن أصبحت عمليات اغتيال الناشطات المدنيات والوجوه الفنية والاجتماعية تحديداً، في بغداد العاصمة وفي بقية المدن، ظاهرة تؤرق النساء والمواطنين في شكل عام وتستحق الإدانة من لدن منظمات حقوق الإنسان والمرأة في العراق والأمم المتحدة ودول العالم، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وهي ظاهرة منظمة، وتائرها في ازدياد وفاعلها مجهول.
في 16 آب (أغسطس)، توفيت في بغداد، لأسباب مجهولة، خبيرة التجميل رفيف الياسري، ثم بعد أسبوع رشا الحسن (إعلامية وصاحبة مركز للتجميل في بغداد) واغتيلت الناشطة العراقية سعاد العلي في أحد أبرز المناطق التجارية بالبصرة. ثم اغتيلت ملكة جمال بغداد ووصيفة ملكة جمال العراق لعام 2015 تارة فارس، من دون أن تعلن وزارة الداخلية أو الجهات الأمنية المسؤولة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
ونشرت عارضة الأزياء والإعلامية شيماء قاسم على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو، تقول فيه «أنها تلقت تهديدات بالقتل». كما تحدثت الإعلامية الكويتية مي العيدان عن تعرض الفنانة العراقية دموع حسين لتهديد بالقتل.
لقد أدى مقتل أربع نساء عراقيات خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهرين، إلى ازدياد الخوف وانتشار الهلع والرعب في نفوس النساء وعوائلهن، وأصبحت ظاهرة القتل تؤرق الشارع العراقي وتتصدر واجهات الصحف والقنوات الإعلامية، وسط ضعف أداء المؤسسات الحكومية والأمنية.
وبعد هذه الأحداث الدراماتيكية التي انتهت بالقتل والاغتيال والتهديد والوعيد، أمر رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في عمليات الاغتيال التي يشهدها العراق واصفاً إياها بعمليات «منظمة ومخطط لها».
إن التداعيات الاجتماعية وتدهور الاقتصاد واجتياح «داعش» مدناً عراقية والنزاعات المسلحة التي سادت في بعض المناطق ومقتل الكثير من أرباب الأسر والمعيلين، أجبرت النساء على الاعتماد على أنفسهن في تحمل أعباء المنزل و تكاليف المأوى والتعليم والرعاية الطبية في محاولة منهن للانخراط في الحياة المهنية والمجتمعية ضمن تحديات تيواجهنها، بما في ذلك عدم وجود صناديق للرعاية والضمان الاجتماعي التي يجب أن توفرها الدولة وعدم وجود فرص عمل. وتقدر الإحصاءات الدولية أن هنالك ما يقرب من المليون إلى مليوني أسرة عراقية ترأسها نساء.
تم قتل طبيبات ومحاميات وصحافيات وناشطات في منظمات المجتمع المدني. كما تم تسجيل 28 حادثة اغتيال للصحافيات بين أعوام 2003 – 2013. واغتيلت الدكتورة غادة شفيق والمحامية نجلاء العمري والحقوقية سميرة النعيمي ونائب المدعي العام ابتهال الحيالي والناشطة إيمان السلمان والدكتورة ماجدة الصبحان والدكتورة لمياء إسماعيل وابتسام علي وميران غازي… والقائمة تطول.
جاء في تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية في تاريخ 3 تموز (يوليو) 2014، أنه «في عام 2007 قُتلت 133 امرأة في البصرة. وفي عام 2008 كتب على جدران المدينة شعار يقول: قرارك بالتبرج وتخليك عن غطاء الرأس سيأتيك بالهلاك. وفي العام ذاته، قتلت 150 – 200 امرأة في محافظة ديالى».
إن ما تقوم به النساء، في نظر العقليات المحافظة وأصحاب الفتاوى والاستدلالات الفقهية، يعتبر خروجاً عن المألوف والتقاليد الاجتماعية المتخلفة. وقد أصبحت الحرية الشخصية في ممارسة الحياة الطبيعية في مهب الريح، وتشكل خطورة كبيرة على نساء العراق. وأضحت التقاليد القاسية للمجتمع العراقي التقليدي لا تتصالح مع النساء المتحررات المعروفات في الوسطين الفني والاجتماعي. وكلما ازدادت أعمال العنف تجاههن، بما في ذلك العنف الجنسي، زاد أصحاب العقول الجامدة في إلقاء اللوم عليهن وتحميلهن المسؤولية في ما يجري من أعمال العنف.
ويعتبر الملتزمون بأعراف القبائل والعادات العشائرية التي ترجع إلى قرون خلت من زمن البداوة، أن قتل النساء المتحررات انتصار لقيم الردع الاجتماعي، سواء في بغداد أو البصرة أو الناصرية أو كركوك، بخاصة في وقت لا توجد تشريعات قانونية للحد من العنف الأسري وحماية الأسرة والطفل، ولا قوانين تحد من ظاهرة التسلح. جاء في تقرير مشترك أعدته منظمة «ماينوريتي رايت كروب أنترناشيونال» و «مركز سيسفاير فور سيفيليان رايتس» لعام 2015: «زاد إدراك المجتمع الدولي أن العنف القائم على التمييز الجنسي بات سمة مصاحبة للصراعات. ففي المواجهات العسكرية، كثيراً ما تصبح أجساد النساء امتداداً لأرض المعركة. كما أن أعمال العنف الجسدي والمعنوي والجنسي التي ترتكب ضد النساء والأطفال تم استخدامها لتنفيذ أجندات سياسية ولإذلال الخصوم ولتدمير مجتمعات بأكملها. ومن ثم، فإن العنف ضد النساء لا يعد مجرد جانب من جوانب الموضوع، وإنما هو جزء منه. ولعل الوضع الذي تواجهه النساء في العراق اليوم يعد مثلاً واضحاً يجسد هذه الظاهرة».
على رغم كل ذلك، لم تكشف الحكومة العراقية إلى الآن حقيقة الجرائم التي تطاول النساء والفتيات في أنحاء العراق. في وقت يلعب انتشار السلاح السائب بيد المواطنين دوراً مساعداً في حدوث مثل هذه الجرائم، إضافة إلى عدم وجود قوانين وعقوبات صارمة ورادعة تحد من الفوضى والانفلات الأمني وتحافظ على حياة المواطنين وتحمي السلم الأهلي والمجتمعي، حيث يعاني المجتمع العراقي من انتشار خطابات الكراهية والدعوات إلى العنف والتطرف.
إن هذا الوضع المخيف والمقلق يفاقم خوف النساء ويمنعهن من حرية الخروج من منازلهن وممارسة أعمالهن في شكل طبيعي. ترى متى سيتوقف مسلسل قتل النساء العراقيات؟ وهل ستقوم الحكومة الجديدة بإجراءات تحد من ظاهرة قتل النساء، هذه الظاهرة التي تؤثر في شكل كبير في استقرار البلد ومكانته في المحافل الإقليمية والدولية، أم سيبقى دم النساء العراقيات مباحاً وقتلهن مستباحاً؟
* إعلامي عراقي، وزير سابق في حكومة إقليم كردستان