هل أوشك العمر الافتراضي للحكومة على الانتهاء، أم أن طرفي النزاع فيها يستمران في لعبة الرقص على حافة الهاوية فيفرطان في طرح الشروط والشروط المضادة؟
هذا السؤال طرح بالحاح عندما بادر العماد ميشال عون الى اشهار “انتفاضته” الدائمة على هذه الحكومة، وسارع رئيسها تمام سلام الى التلويح بالاستقالة.
من قبل كان السؤال عينه يثار عندما رفع الرئيس سلام وفريقه السياسي لواء المطالبة بالتحلل من صيغة التوافق الالزامي التي قامت عليها الحكومة الى درجة صارت تعرف معها بأنها حكومة الـ24 رئيساً، وعندما أصرّ العماد عون على وضع آلية عمل مجلس الوزراء بنداً أولياً على أول جلسة للمجلس.
ورغم ان الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء مرّت بسلاسة متناهية خلافاً للجلسة السالفة، فان هذه الأسئلة ما فتئت تحتل حيزاً واسعاً من المشهد السياسي الحكومي على السواء وتترافق مع كلام فحواه ان هذا الامرار السلس للجلسة لا يعني اطلاقاً قناعة من الاطراف المعنيين بطي صفحة المشكلة بقدر ما هو ترحيل للتناقضات وتأجيل للمواجهات الى الاسبوع المقبل.
عندما تألفت الحكومة الحالية والتي شاء رئيسها ان يسميها حكومة المصلحة الوطنية منذ قرابة عام، ثمة من قرأ في باطن الحدث معادلة جديدة جوهرها ان الذي دفع هما طرفان: العماد عون و”حزب الله”، وان الذي قبض وربح طرف واحد هو “تيار المستقبل”.
الدفع من جانب التيار البرتقالي كان ثمناً لانفتاح أبواب الكلام المبشّر والتلاقي بين العماد عون وبين الرئيس سعد الحريري، والذي بنى عليه الأول آمالاً عريضة وأحلاماً ذات شرفات وردية ممتدة.
أما الدفع من جانب صاحب الراية الصفراء فقد كان اندراجاً تحت عنوان المصلحة الاستراتيجية الأبعد، أي الأحب على قلب الحزب، فهو أرادها جسر تواصل أولي مع التيار الأزرق يضع حدا لحال التوتر والاحتقان بين الطرفين، واستطراداً بين الشارعين اللذين يشكلات قطب الرحى فيهما.
وفيما كان التياران الأصفر والبرتقالي يراهنان على أثمان مؤجلة، فان التيار الأزرق كان كسبه عاجلاً وسريعاً وعزيزاً جداً عليه وهو القبض على السلطة التي حُرم قسراً جنّتها طوال عامين ونصف عام اضطر خلالها الى التوسل بالشارع.
وهكذا يمكن الاستنتاج ان كل طرف من الاطراف كانت له مصالح قريبة وبعيدة من وراء مسارعته الى الانضواء تحت خيمة هذه الحكومة، وهو واقع دعمته ولا ريب ارادة اقليمية – خارجية شاءت أن تؤمن لهذا البلد واستقراره شبكة أمان انفاذاً لحسابات معينة.
وأمام هذا الاهتزاز الحالي لواقع الحكومة والذي ينذر باحتمال اسقاطها ثمة من طرح السؤال بطريقة عكسية: هل أن التيار العوني قد وجد نفسه مغبوناً بذلك التنازل الذي قدمه مع حلفائه في ذلك الزمن الغابر وأفضى الى اطلاق قطار الحكومة والى اعادة زمام السلطة الى التيار الأزرق، وهو تنازل لم يجن منه أي ثمار يعتد بها ولم يحقق له احلامه ورهاناته الكبرى؟
واستطراداً، هل أن التيار الأزرق قد وجد الآن فرصته المؤاتية للتخلص من أسر معادلة الـ24 وزيراً رئيساً والتي قبل بها استهلالاً؟
وسواء كان قبل بهذه المعادلة على عجل أو على مضض، أو أنه أخطأ التقدير والحساب، فالواضح ان “المستقبل” بعث أخيراً برسالة عنوانها العريض انه لم يعد في وارد القبول بما قبل به سابقاً، أو أنه ليس في وارد تكريس تباشير معادلة قد تنال لاحقاً من صلاحيات الرئاسة الثالثة، وانه يعلن استعداده لمعركة تنتهي بفرض أمر واقع للمرحلة المقبلة. ولا ريب أن لطرح كل هذه التساؤلات واثارة كل هذه الاشكاليات معناه ومبرره في لحظة ما بعد الاقرار المبدئي للاتفاق النووي الايراني.
فثمة قراءة في دوائر القرار في قوى 8 آذار جوهرها ان الشروط والمناخات التي استولدت من رحمها الحكومة الحالية ربما بدأ البعض يفكر في التحلل منها أو تعديلها كون التأليف جرى في مرحلة انتقالية كان يسودها الغموض ويكتنفها الابهام والانتظار.
ربما تكونت لدى بعض الاطراف قناعة ضمنية بأن التقاطع الدولي – الاقليمي الذي أمّن ولادة الحكومة قد بدأ بالانفراط، أو أنه استجدت لدى اطراف بعينها حسابات ورهانات مغايرة تفرض المضي في مرحلة جديدة وشروط جديدة على مستوى العمل الحكومي وذلك بعد ظهور تباشير مرحلة ما بعد اقرار الاتفاق النووي الايراني على مستوى المنطقة.
واذا كان هذا الأمر ينطبق أكثر ما يكون على التيارين الأزرق والبرتقالي، فالجلي أن “حزب الله”، وهو اللاعب الثالث الأساسي، ما زال يرى ان اطالة عمر الحكومة الحالية مفيد ومطلوب بالنسبة اليه لاعتبارات وحسابات عدة أبرزها:
– ان الحزب يعتبر ان مرحلة ما بعد اقرار الاتفاق لم تبدأ عملياً بعد لأن معركة تثبيت مفاعيل الاتفاق تكاد لا تعادل معركة التوصل اليه.
– ان الحزب ما زال يرى أن الطرف الاقليمي الذي يعتبر نفسه المتضرر الأكبر من هذا الاتفاق، ما فتئ في ذروة غضبه وهجومه في ميادين عدة بدءاً من اليمن وصولاً الى سوريا مروراً بالعراق، وبالطبع فان لساحة لبنان نصيبها من ذلك. أي انها مرحلة ارتفاع نسبة المخاطر.
– ان الحزب يقيم على قراءة فحواها ان مرحلة التأقلم مع مقتضيات المرحلة المستجدة وتحولاتها لم تبدأ بعد، وإن كانت هناك عمليات لاستكشاف النيات واستشرافها.
وعليه فان الحزب وان كان يعلن تضامنه مع حليفه التيار العوني، فانه يريد للحكومة وما تمثل من جسر تلاق ان تستمر حالياً.
في الظاهر قد تكون المعركة الحالية معركة الحكومة وتثبيت المعادلات، ولكنها في العمق معركة استباقية لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي وانتظار ترجمته ووصول تداعياته الى الساحة اللبنانية. وعليه فالتقديرات لدى غالبية الاطراف ان المعركة في داخل الحكومة وحولها وعليها طويلة، خصوصاً أنه ليس هناك من هو مستعد ليحرق أصابعه ويشرع في مبادرة او وساطة تعيد الأمور الى نصابها الطبيعي.
وأكثر من ذلك، على لبنان أن يعيش “دوار” هذه المرحلة، ولن تكون عودته الى التوازن متوقعة إلا بعد تثبيت هذا الاتفاق من جهة، وقبول المعترضين عليه بالأمر الواقع من جهة أخرى.