بعدما دعا “تكتل التغيير والإصلاح” الى اجراء انتخابات نيابية موازية للانتخابات البلدية بصندوق اقتراع اضافي في الأقلام ذاتها اعتقاداً منه أنه يستطيع مع حلفائه الفوز بأكثرية نيابية تنتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وهي أكثرية غير متوافرة له في مجلس النواب الحالي، فإن السؤال المطروح هو: هل يستطيع “التكتل” تحقيق هذه الدعوة بجعل الأحزاب التي تصر على اجراء انتخابات رئاسية قبل أي أمر آخر بما فيها الانتخابات النيابية وفقاً للدستور تستجيب لها؟
الواقع أن أوساطاً سياسية تخشى أن يذهب العماد عون بعد أن يتأكد من استحالة وصوله الى قصر بعبدا الى حد اتخاذ قرارات متهورة تجعله يقول: “من بعدي الطوفان”… فهل يكون من بين هذه القرارات اعلان استقالته مع نوابه من مجلس النواب وربما نواب بعض حلفائه أيضاً علّه يفرض عندئذ اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية؟
إن هذه الخطوة الخطرة قد لا تحقق أهدافها إلا إذا تضامن في اتخاذها نواب “حزب الله” ونواب “القوات اللبنانية” وغيرهم ليصبح عدد النواب المستقيلين كافياً لفرض اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية. أما اذا لم تتضامن هذه الاحزاب مع هذه الخطوة الخطرة خوفاً من أن تقود البلاد الى المجهول، فإنها تصبح قفزة في الفراغ. ذلك أن اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية يتطلب إقرار قانون جديد للانتخابات، وهذا القانون لا يزال موضوع خلاف حتى الآن، أما اذا صار مقبولاً اجراؤها على أساس القانون الحالي، أي قانون الستين، فإن كثيراً من الأحزاب والتيارات والكتل قد ترفض ذلك وتذهب الى حد مقاطعة الانتخابات فتفقد نتائجها عندئذ صحة لتمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، واذا تم التوصل الى اتفاق على اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون الستين فلا حكومة يمكن أن تشرف عليها سوى الحكومة الحالية، وعندها ما العمل اذا استقال وزراء فيها لسبب من الأسباب، وأي مصير للانتخابات يكون اذذاك؟ أضف أن أجواء الانتخابات البلدية والاختيارية تختلف كثيراً عن أجواء الانتخابات النيابية. فالانتخابات البلدية اذا تعذّر اجراؤها لسبب من الأسباب في بلدة أو مدينة فيمكن إعادة اجرائها في وقت لاحق. أما الانتخابات النيابية اذا تعذر اجراؤها في دائرة أو أكثر من الدوائر فإن مجلس النواب لا يستطيع مباشرة عمله إلا إذاك اكتمل عدد أعضائه، وقد يطول انتظار اكتماله، وعندها تدخل البلاد خطر الفراغ الشامل، فلا رئيس جمهورية ولا مجلس نواب ولا حكومة.
وفي استقالة النواب لا بد من التذكير بما نص عليه الفصل الخامس من النظام الداخلي لمجلس النواب. فالمادة 24 تنص: “للنائب أن يستقيل من النيابة بكتاب خطي صريح يقدّم الى رئيس المجلس، فإن وردت الاستقالة مقيّدة بشرط تعتبر لاغية”. وتنص المادة 25: “على الرئيس أن يُعلم المجلس بالاستقالة بأن يتلو كتاب الاستقالة في أول جلسة علنية تلي تقديمها، وتعتبر الاستقالة نهائية فور أخذ المجلس علماً بها”. وتنص المادة 26: “للنائب المستقيل أن يرجع عن استقالته بكتاب خطي مقدّم الى رئيس المجلس قبل اخذ المجلس علماً بها، وتعتبر الاستقالة كأنها لم تكن”. فإذا لم يكن في الاستطاعة اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية بغير المجازفة بتقديم استقالات جماعية من مجلس النواب، فكيف يمكن فرض اجرائها بطريقة اخرى؟ هل في انتظار إقرار قانون جديد للانتخابات لا يزال حتى الآن موضوع خلاف، وقد يكون إقراره من دون شبه اجماع سبباً لتهديد من لا يقبل به بمقاطعة الانتخابات لتصبح منقوصة التمثيل؟ أو يصبح اقراره سبباً لمطالبة أشد بوجوب اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية كي ينتخب المجلس المنبثق منها رئيساً للجمهورية، وليس المجلس الحالي الممدد له ولم يعد يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً فيكون انتخاب الرئيس لا يمثل أيضاً هذه الإرادة.
يقول قريبون من “التيار الوطني الحر” إنه يرى من مصلحته بعد تحالفه مع حزب “القوات اللبنانية” من دون أن يخل ذلك بتحالفه أو تفاهمه مع “حزب الله”، اجراء انتخابات نيابية تأتي باكثرية تنتخب العماد عون رئيساً للجمهورية، وهي أكثرية غير متوافرة في مجلس النواب الحالي، ويكون الحكم بكل سلطاته لهذه الأكثرية تطبيقاً للديموقراطية العددية وليس للديموقراطية “التوافقية” التي أكد تطبيقها أنها ديموقراطية الشلل، لكن “التيار الوطني الحر” الذي أخطأ في حساباته بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية يخطئ أيضاً في حساباته بالنسبة الى الانتخابات النيابية بجعلها تتقدم على ما عداها، لا لشيء سوى انه بات يرى له مصلحة في اجرائها بعد تحالفه مع “القوات اللبنانية”.