Site icon IMLebanon

هي الضربة الأولى، وماذا بعد؟

هي الضربة الأولى التي تلقاها النظام السوري، يوم الجمعة الماضي محدثا تحولا دراماتيكيا في مسيرة الولايات المتحدة بصدد المعضلة السورية علّها تكون وضعت حدّا لإيغاله في عمليات القتل والتدمير بالسلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة.

هو التحول الأميركي الذي قد يقتصر في نتائجه الأولية، على الشق السياسي من الوضع السوري ويصحح جملة من المسارات قد يكون في طليعتها، المسار الروسي الغارق حتى أذنيه في الدفاع عن النظام السوري القائم، محدثا بإغراقه في الدفاع المشبوه عن استعمال الأسلحة الكيماوية تحوّلا درماتيكيا في مسيرة الولايات المتحدة بصدد المعضلة السورية.

وهذا التحول، قد يقتصر في نتائجه على الشق السياسي ويصحح جملة من المسارات قد يكون بينها المسار الروسي الغارق حتى أذنيه في الدفاع عن النظام السوري القائم.

هي الحساب المعنوي القاسي الذي تلقاه ذلك الذي أفل نجمه ووجوده، الرئيس الأميركي السابق أوباما، فهو مسؤول أساسي عن إيصال الأحوال في سوريا، إلى هذا الوضع المأساوي المتدهور، وتحويلها إلى بلد المقابر والمهاجر والهاربين بروحهم وأولادهم إلى بقاع الأرض الواسعة بما فيها أقاصي القارات البعيدة، وإلى نزوح غير مسبوق في حجمه المليوني إلى بلدان الجوار وفي طليعتها لبنان.

هي فعل مؤثر دفع بالعالم كله، كما دفع بمواطني الولايات المتحدة، إلى المقارنة ما بين الرئيس الأميركي الجديد الذي تخوف الكثيرون من افتقاره للخبرة السياسية والقيادية، فإذا به يقلب الطاولة بعمل جريء نسف من خلاله كل مخابىء الجبن والتهرب والإستقالة من مهام رئيس الدولة الأعظم في العالم وواجباتها تجاه نفسها وتأمين مصالحها، ليبتكر نهجا مؤداه أن بلاده يقتضي أن تقود العالم من الخطوط الخلفية، قالبا موازين القوى الإقليمية، بما مكّن إيران من تعزيز هجمتها العنصرية والطائفية على العالم العربي، وبما خوّل لها هزّ استقرار الشرق الأوسط والخليج العربي، وبما عزّز من تمدّد الوجود والنفوذ والقوة الداعشية المشوّهة لأصالة الدين الإسلامي الحنيف، بصفاته وميزاته الروحية والإنسانية السمحة، الأمر الذي يثبت يوما بعد يوم أنها صنيعة مدسوسة هدفها، إضافةً إلى تشويه الإسلام، التسبب في تفتيت العالم العربي على هذه الصورة الرهيبة القائمة والمستمرة.

ولن ننسى كما لم ينسَ الرئيس الأميركي نفسه ومؤيدوه ورافعو شعاراته، أن ترامب «البعبع»، الذي هزّ أوضاع الداخل الأميركي وتغلّب على مسيرة أميركية سياسية تقليدية أغرقتها الأيام وتعقيداتها ومطباتها بجملة من الترهلات، فكان مرشحا للرئاسة مختلفا بشخصيته وجرأته وتبنيه المطالب الشعبية والشعبوية، وفاز بالنتيجة برئاسة الدولة الأقوى في العالم، مستفيدا مما طاولها من تراجع في مواقعها الداخلية والخارجية والمتمثلة بصورة كاملة بسياسة أوباما المتخاذلة والمترجرجة والسابحة في محيط من التناقضات التي أثبتت الظروف أنها ليست في مصلحة الشعب الأميركي، كما لم تكن إطلاقا في مصلحة الشعوب العربية.

لا نقصد ممّا ذُكر الإشادة بالرئيس ترامب وتغليب حسناته على سيئاته، بل هو تطرّقٌ إلى سياسته العربية عموما وموقفه من الأوضاع السورية والخليجية خصوصا، فالملاحظات السلبية المتداولة ضده داخل الولايات المتحدة وخارجها، تملأ صفحات رئاسته على أكثر من صعيد، حيث أن ما لمسه الجميع، يدل عن سياسة تتلاقى في كثير من نقاطها مع المطالب العربية التي تنادي بوضع حد للتدخلات الإيرانية في شؤون وشجون العالم العربي، ووضع حدّ لطموحاتها وفرض وجودها الفارسي والسياسي على ما مكنتها أوضاعها من تحقيقه وتكوين ميليشيات محلّية مؤيدة لها واختلاق الخلافات والمجابهات والتأثير السلبي على أوضاع الشرق الأوسط بأسرها بما نشهد مثالا عنه بصورة خاصة في العراق وسوريا، فضلا عن توريط الجهات الأمنية المرتبطة بالمعارك الملتهبة السائدة في أكثر من موقع عربي. نكتفي مما حصل بذلك التأييد الواسع الذي لقيته ردة الفعل الأميركية الإيجابية لدى أغلبية الأميركيين والتي أخذت بعين الاعتبار الشلل المستمر الذي تفرضه روسيا على مجلس الأمن من خلال الفيتوات العديدة التي عطّلت بها قراراته، بردود صادرة عن المجتمع الدولي عموما وعن البلدان العربية والإسلامية وعن المعارضة السورية الساعية إلى وضع حد للجرائم التي تتشارك بها جميع الفئات المحتلة للأرض السورية والغارقة حتى أذنيها في عمليات القتل والتهجير القسري وافتعالات الترانسفير القائمة بتواطؤ واضح ومخطط له من قبل من تشاركوا في جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية المتفاعلة بنتائجها المخيفة في أوساط العالم كله.

إن الرفض التلقائي لإرتكابات النظام السوري الذي يُفَبركُ شتى أنواع الذرائع الملتوية نافيا ما يقوم به في كل مرة يتجاوز فيها الخطوط الحمر، وجميع ذرائعه، لم يقبضها الرأي العام الدولي والعربي ولم يقبضها المنطق ولا الواقع الملموس، ولا طريقة إخفاء معالم الجريمة، الأمر الذي تمثل خاصة بتواطؤ روسي فاضح من خلال تدميره للمستشفى الذي ضم العديد من المنكوبين بآثار السموم الكيماوية.

ها هي الأوضاع في المنطقة عموما تنقلب رأساً على عقب نتيجة للضربة الأميركية الصاروخية التي طاولت القاعدة العسكرية التي انطلقت منها الطائرات الآثمة.

ها هي تحدّيات التصاريح الحادّة المتبادلة بمواقفها المتحدّية ما بين كل من روسيا والولايات المتحدة تتصاعد، الأمر الذي لمسناه في التعزيزات العسكرية التي قام بها كل من الفريقين، وها هي روسيا تمسك بذراع إيران ويهددان معا بالرّد على أي هجوم أميركي لاحق مع تعهد بتعزيز قوة النظام السوري العسكرية .

وها هي الولايات المتحدة تستدعي جزءا من جنودها في الإحتياط وتؤكد على موقفها المستجد برفضها لاستمرار الرئيس الأسد في الحكم، وها هي مؤشرات الإهتزازات الطارئة على السلم العالمي منطلقة بمعظمها من سوريا تطلّ برأسها على لهيب المنطقة. وعلى الصعيد اللبناني، ها هي داعش تتراجع وتنهزم وتتبعثر حيثما كان، في بريطانيا وفرنسا والسويد وهولندا والسعودية وقطر محاولة دسّ أنفها ووحشيتها في مجمل الخليج العربي، وحيثما تيسّر لها تنفيذ هجماتها العشوائية، الأمر الذي يدفعنا إلى التحذير من حركات داعشية تطل برأسها على الساحة اللبنانية، كما يدفعنا في الوقت نفسه للإشادة بدور الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية كافة لنجاحها المستمر حتى الآن، في درء الأخطار الداعشية عن لبنان، وبالتالي، كلما ازداد الإحتداد من حولنا واشتدت الضغوطات العسكرية على العنق الداعشي كلما تضخمت المهام الملقاة على قوانا الأمنية بجميع قطاعاتها، ولنا في نجاحاتها السابقة خير دافع إلى شيء من الإطمئنان. تمضي الأيام في هذه المرحلة الصعبة بسرعة صاروخية تماثل في أهميتها وأثرها، أهمية وآثار تلك الصواريخ التي طاولت القاعدة العسكرية السورية. لبنان كلّه مدعو إلى التأهب للمساهمة في درء الأخطار المحتملة، ونأمل أن يكون ذلك بتوحد وطني بعيد في نوعيته، عن السلبيات التي تعالج بها قضايا العودة بالبلاد إلى أحوالها الطبيعية، بعد أن تكتلت الأزمات بما لا يرضي ولا يُطمئن.