Site icon IMLebanon

هل بات تشكيل الحكومة قريباً؟

 

صدر أكثر من موقف يؤكد أنّ تأليف الحكومة أصبح قريباً، على رغم ان لا معطيات ملموسة على الأرض توحي بأنّ حلقة الجمود في التأليف قابلة للكسر من أجل ولادة الحكومة العتيدة.

في مواقف عدة للرئيس المكلف سعد الحريري في الآونة الأخيرة، ان الحكومة ستتشكّل في غضون ١٥ يوماً (هذا الكلام منذ نحو أسبوع)، وأن التأليف بات وشيكاً. وقد ترافقت إيجابية الحريري مع إيجابية عَبّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل ان يدخل رئيس الجمهورية ميشال عون على الخط ويؤكد «أن الاسبوع المقبل سيكون حاسماً في شأن ولادة الحكومة» (أي الأسبوع الجاري)، فيما ظهرت مرونة مفاجئة لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بقوله انّ «الوقت الآن ليس لتقديم تنازلات طالما غيرنا لن يقدم تنازلات»، وأمّا على خط العقدة المسيحية فالأمور لم تكن يوماً مُقفلة في ظل مرونة «القوات اللبنانية» وهامش الخيارات الموجود على هذا المستوى، ومن دون التقليل من أهمية إبلاغ وزير الخارجية جبران باسيل الرئيس المكلف انه لن يتدخل بعد اليوم في عملية التأليف، وهذه الإشارة كافية للدلالة انّ مسار التأليف سيأخذ منحى جديداً.

ما تقدّم يمكن وضعه في سياق تعميم مناخات إيجابية حرصاً على الوضع الاقتصادي الذي ليس في أفضل أحواله، وقد يكون أدلّ على ذلك المحطة الأسبوعية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في القصر الجمهوري، لأن لا معطيات عملية تؤكد وتثبت انّ البلاد تتجه إلى تشكيل سريع، بل كل الأجواء توحي انّ العقد ما زالت على حالها، ولا تقدّم على اي مستوى.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين مصلحة الرئيس الحريري في تحديد مدة زمنية للتأليف (١٥ يوماً) لو لم تكن بحوزته معطيات أكيدة، إذ كان باستطاعته الاكتفاء بالقول اننا نضع كل الجهود الممكنة لتجاوز العقد الموجودة من دون الدخول في محطات وتواريخ، علماً انّ بإمكانه ايضاً القول انّ المبادرة التي كان يعمل عليها اصطدمت بعراقيل مفتعلة، او ان يمدّد ١٥ يوماً إضافية، وهكذا دواليك.

ولكن آخر المعلومات او المعطيات تشير إلى الآتي:

أولاً، حصول الرئيس المكلف على تفويض من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط على التفاوض مع رئيس الجمهورية حول أفكار ومخارج عدة ضمن السقف الذي تُحترم فيه نتائج الانتخابات، وليس أدلّ على ذلك تأكيد الرئيس بري انّ العقدة الدرزية غير مستعصية، ما يثبت ما أكّده جنبلاط نفسه عن استعداده لتنازلات متبادلة.

ثانياً، توزيع الأدوار بين رئيس جمهورية متفهّم ورئيس أكبر كتلة متشدّد وصل إلى نهايته مع إعلان باسيل وقف تدخّله بالتأليف، ما يعني انّ مرحلة جديدة قد بدأت عنوانها تَبدية التفهم على التشدد، والتي مهّد لها عون بمواقف أكد فيها انّ كل الحكومة حكومته، وانّ التأخير ينعكس على كل البلد لا على عهده فقط، وكل ذلك بعدما وصل فريق رئيس الجمهورية إلى قناعة مفادها انّ انتزاع المزيد من التنازلات غير ممكن، وانّ الوضع لم يعد يسمح، والتصعيد وصلَ إلى أوجّه من دون نتيجة، ولذلك لا بد من تدوير زوايا متبادل.

ثالثاً، ليس خافياً على أحد انّ الرئيس عون يريد ان يخرج الدخان الأبيض من القصر الجمهوري لا من السراي الحكومي، وانّ التنازل الذي حصل حيال «القوات» او «الإشتراكي» تمّ بمبادرة منه تسهيلاً للتأليف، ومن أجل الظهور أمام الرأي العام بمظهر المبادر لمصلحة البلد.

رابعاً، لا يمكن الكلام عن ضغوط خارجية تمارس على اي طرف من الأطراف من أجل تسهيل التأليف، فلا المشكلة لدى «حزب الله» من أجل ان تبادر طهران باتجاهه، ولا المشكلة لدى «المستقبل» من أجل ان تبادر الرياض باتجاهه، ولا المجتمع الدولي يعمل على طريقة الضغوط، والفراغ الرئاسي وغيره أقوى دلالة على ذلك، ولكن هناك في المقابل تحذيرات دولية من الوضع المالي الدقيق الذي يستدعي تأليف حكومة تعكف على ترجمة مقررات «سيدر» وتعيد وضع لبنان على السكة المطلوبة.

خامساً، عامل الوقت بدأ يضغط على الجميع مع فارق هذه المرة انه يصيب العهد أكثر من غيره، وفي حال لم يصر إلى تنازلات متبادلة يمكن ان يستمر الوضع على هذا المنوال طويلاً، وقد دلّ الاشتباك بين باسيل وبري، او بين عون وبري حول توقيع مرسوم الأقدميات واستثناء وزارة المال من التوقيع، انّ الرئيس عون لا يتأخر في الوقت المناسب في تقديم التنازلات المطلوبة إلى درجة انّ كل الاشتباك مع الرئيس بري سحب من التداول، ولم يعد هناك من مشكلة ببقاء المالية في عهدته وعلى رأسها الوزير علي حسن خليل، وكل ذلك مؤدّاه انّ عون لا يجد مشكلة ولا صعوبة بالتنازل متى وجد ذلك مناسباً، ويبدو انّ التنازل في ملف الحكومة قد اقترب.

وحيال كل ما تقدّم، فإنّ تشكيل الحكومة أصبح فعلاً قريباً، وما كان منتظراً في نهاية حزيران ومطلع تموز يبدو انه قد تأجّل وترحّل إلى آخر تموز ومطلع آب. فهل تصح تلك التوقعات؟ الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتبيان صحتها أم عدمه، علماً انّ أغلب الظن يوحي بأنّ التأليف بات وشيكاً.