في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وعند بحث موضوع التعيينات الإداريّة، كان لافتاً تموضع كل من وزراء «تيّار المُستقبل» و«التيار الوطني الحُرّ» جنباً إلى جنب في المُطالبة بإلغاء الآليّة المُعتمدة منذ نحو سبع سنوات، لصالح تعزيز سُلطات الوزراء في وزاراتهم وتسريع العمل الإداري المُنتج، في مُقابل تقديم كل من وزراء «الثنائي الشيعي» و«القوّات اللبنانيّة» و«تيّار المردة» و«القومي السوري» سلسلة من الملاحظات وحتى الإعتراضات على هذا الطرح. وفي موضوع سلسلة الرُتب والرواتب الذي سيكون على طاولة البحث خلال الأسبوع المقبل، من المُرشّح أنّ يكون كل من التيّارين «الأزرق» و«البُرتقالي» يداً واحدة في المُطالبة بتأمين مصادر التمويل المناسبة لإقرار مشروع السلسلة. وهذا التناغم بين «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ» ليس بجديد، وهو إنسحب في الأشهر الماضية على العديد من الملفّات، إلى درجة دفعت البعض إلى إتهام الطرفين بعقد صفقة ثنائيّة بدأت بإنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجُمهورية في مُقابل تعيين النائب سعد الحريري رئيساً للحكومة، وتمرّ بتقاسم الحصص الوزارية والمناصب الإدارية، وتصل إلى التحالف في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة. فهل هذا الأمر صحيح؟
بحسب مصادر سياسيّة مُطلعة إنّ «تيّار المُستقبل» يتخبّط منذ مدّة بين خيارات وسياسات مُتناقضة، حيث أن الشخصيّات المحسوبة عليه تقول الشيء وعكسه في بعض الأحيان، وتُطلق مواقف مُتضاربة ومُتناقضة في كثير من الأحيان، وتتخذ مواقف مُحدّدة قبل أن تعود عنها بعد مدّة. وأوضحت أنّ هذا الأمر يتجاوز مسألة توزيع الأدوار، ومسألة رفع شروط التفاوض، التي من المُمكن أن تلعبها بعض الجهات السياسيّة والحزبيّة بين الحين والآخر، ويصل إلى مرحلة عدم وُضوح الرؤية على مُستوى القيادة السياسيّة. وأضافت المصادر أنّ الحملات المُركّزة على «حزب الله» والتي تُطلقها بعض الشخصيّات المُنتمية أو المحسوبة على «التيّار الأزرق» وأحدثها جاء على لسان النائب عقاب صقر، وكذلك توقّف الإجتماعات الثنائية بين «المُستقبل» و«الحزب»، يتناقض مع أجواء التهدئة الداخلية التي يطمح رئيس الحكومة سعد الحريري إلى تعميمها. ولفتت المصادر إلى أنّ الأمر نفسه ينطبق على مسألة التعامل مع النظام السوري، ومع قضيّة اللاجئين السوريّين، ومع عمليّات الجيش اللبناني الإستباقيّة، ومع مُشكلة المُسلّحين في جرود عرسال، إلخ.
وأشارت المصادر السياسيّة المُطلعة نفسها إلى أنّ ما تسرّب عن مضمون الإجتماع الذي عقده رئيس الحكومة في بيت الوسط مطلع الشهر الحالي مع مجموعة من القيادات السنّية المُقرّبة منه، صحيح، لجهة إعتراض العديد من هذه الشخصيّات على السياسة الحالية لتيّار المُستقبل، ولجهة مُطالبة هذه الشخصيّات الحريري بضرورة العودة إلى إعتماد سياسة عريضة واضحة المعالم، وتحديد التحالفات السياسيّة بشكل واضح، لأنّ البلبلة الحاليّة تنعكس على القواعد الشعبيّة الحاضنة لتيّار المُستقبل. وكشفت المصادر أنّ الرئيس الحريري أبلغ المُجتمعين أنّ ثوابته السياسيّة لا تزال هي نفسها، بالنسبة إلى النظام السوري وإلى «حزب الله» وسلاحه وتدخّله في الصراعات خارج الحدود اللبنانيّة، وأيضًا بالنسبة إلى الإنحياز إلى جانب الدول العربيّة والخليجيّة وقضاياها، ولوّ أنّه يُطلق بعض المواقف الليّنة بين الحين والآخر حفاظًا على النَفس الإيجابي العام في البلاد حالياً. وبالنسبة إلى التعامل مع «التيار الوطني الحُرّ»، أكّد الرئيس الحريري ـ بحسب المصادر نفسها نقلاً عن إحدى الشخصيّات التي شاركت في الإجتماع، أنّ هدفه إنجاح عمل الحكومة والعهد، لأنّ نجاحهما مُترابط، والحفاظ على الإستقرار الداخلي الذي يُشكّل المدخل لحل مُختلف القضايا السياسيّة والإقتصادية والمالية، إلخ.
وتوقّعت المصادر السياسيّة المُطلعة نفسها أنّ يُبقي «تيّار المُستقبل» مسألة تحالفاته الإنتخابيّة المُقبلة مفتوحة على كل الخيارات، منعًا لحرق أوراقه باكراً، ولأنّه يتمتّع بقوّة تجييريّة عاليّة لا تزال تجذب العديد من القوى السياسيّة التي تطمح لأن تكون على نفس اللوائح مع مُرشّحي «المُستقبل». وأضافت أنّ خيار التحالف بين «المُستقبل» و«التيار الوطني الحُر» وارد بنسبة كبيرة من جانب «التيّار الأزرق»، ومن شأن حُصوله قلب موازين القوى في الكثير من الدوائر المُشتركة بين الطرفين، مُشيرة في الوقت عينه إلى أنّ العقبة أمام هذا التحالف تتمثّل في موقف «التيار الوطني الحُرّ»، أكثر منه في إقناع «تيّار المُستقبل» مُناصريه به، حيث أنّه سيكون على «الوطني الحُرّ» الإختيار بين التحالف مع «حزب الله» من جهة، أو مع «المُستقبل» وربما مع «القوات» أيضًا من جهة ثانية، وليس مع هذه الأطراف مُجتمعة في آن واحد، باعتبار أنّ «الحزب» يضع «فيتو» حاسم على هذا الأمر.
وختمت المصادر السياسيّة عينها أنّه من هذا المُنطلق سيُحاول «تيّار المُستقبل» الإبقاء على أفضل العلاقات المُمكنة مع «التيّار الوطني الحُرّ»، خاصة وأنّ مصلحتهما المُشتركة تقتضي ذلك، إلى حين الشروع في بتّ التحالفات السياسيّة النهائية للإنتخابات النيابيّة الأساسيّة في أيّار المقبل، حيث سيكون عندها لكل حادث حديث.