يبدو أنّ الاقتصاد العالمي متجه نحو الركود كذلك اضطرابات الاسواق الناشئة وانعكاساتها على العالم تؤكد والى حدّ بعيد أن العالم المتقدم على ابواب ركود كبير. وحسب وزير الخزانة الاميركي السابق لاري سامرز إنّ المؤشرات وفي معظمها من عدم المساواة الاقتصادية الى تباطؤ النموّ السكاني وازدياد الحاجة للتنظيم المالي وغيرها من الأمور تشير لا محالة الى الاتجاه في هذا النحو
يسأل ويليم بويتر، كبير الاقتصاديين في «سيتي غروب» عمّا إذا كنا نتّجه بالفعل نحو كساد عالمي. وفي مذكرة الى الزبائن أخيراً قال بويتر «إنه وعلى الرغم من نموّ الناتج العالمي إيجاباً إنما يبقى دون المستوى المتعارف عليه وحسب بويتر إنّ سنة اخرى من هكذا نموّ تؤدّي حتماً الى زيادة الهوة وتنطوي حتماً على ركود حسب المعايير المعترف بها عالمياً»- وحسب المحللين الاقتصاديين اليوم إنّ فكرة النموّ البطيء وكونه موقتاً ونتيجة الازمة المالية العالمية هو فكرة سخيفة، وتشير أحدث البيانات الى تباطؤ في العالم اجمع لا سيما في الولايات المتحدة، كذلك هو في كلّ الاحوال بطيء في اوروبا، وفي اليابان كذلك حيث على ما يبدو تؤكد المؤشرات أنّ ثالث اكبر اقتصاد في العالم قد دخل بالفعل مرحلة الركود- ومؤشرات اوروبا والمملكة المتحدة على ما يبدو ليست افضل حيث المانيا والتي هي اقوى اقتصاد في اوروبا تراجعت فيها الصادرات بنسبة لا بأس بها، وتأثر كذلك قطاع البناء في بريطانيا حيث تراجع بنسبة ٤،٣ بالمئة وهي اكبر نسبة منذ العام ٢٠١٢.
هذا وسمرز يعتقد أنّ البيانات الاقتصادية المقلقة التي نراها اليوم ما هي إلّا مجرّد بداية مثيرة للجدل ويقول إنّ الشيء الوحيد الذي ساند الاقتصاد العالمي منذ العام ٢٠٠٨ هو قوة الاسواق الناشئة ولكن وعلى ما يبدو وحسب ما ذكرنا سابقًاً إنّ الاسواق الناشئة بدأت تؤثر سلباً في العالم المتقدّم. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا يحدث في الاسواق العالمية وما رأي الخبراء في ذلك؟
وهل نحن أمام تكرار ما حدث في العام ٢٠٠٨؟ لا بدّ من القول إنّ ضعف اسعار النفط وتذبذب الاسواق المالية هما من أعراض الاضطراب الاقتصادي العالمي، وصندوق النقد الدولي اعرب عن قلقه إزاء التباطؤ في الاسواق العالمية لا سيما الناشئة، مذكّراً أنّ ومن الصعب إعادة التوازن في الصين مع انخفاض اسعار السلع الاساسية وانتهاء سياسة نقدية فضفاضة في الولايات المتحدة.
وحذّر الصندوق أيضاً من أنّ محاولات الخروج من الأزمة المالية قد تتعطّل اذا ما أُسيئت مواجهة التحدّيات الرئيسة. ويبدو أنّ الصين تشكل عاملاً هاماً في هذا المجال والصين قوة اقتصادية هامة وتباطؤ اقتصادها يشكل ضربة قاسية وقد تكون عاملاً مهماً في تصدير الانكماش نحو الاقتصادات المتقدمة.
ولكن لا يمكن إلقاء اللوم على الصين وحدها وهي لا تشكل اكثر من ١٣ بالمئة من الاقتصاد العالمي، والعالم المتقدّم مثل الولايات المتحدة واليابان واوروبا يشكل اكثر من نصف هذا الاقتصاد.
لذلك قد تكون تبعيات الاقتصاد الصيني مُبالغاً بها وقد تكون عمليات السياسات النقدية وإغراق الاسواق بالمال السهل لم تُحدث شيئاً في السنوات الماضية وقد كان من الافضل معالجة المشكلات الاقتصادية الأساسية كذلك لم يتم كبح جماح النظام المصرفي العالمي، وكون الحكومات الوطنية لم تفعل الكثير في تحسين اقتصاداتها وإعادة هيكلها وتنويعها نحو مصادر اكثر غنى في الوظائف والنموّ.
كذلك الاقتصادات الناشئة والتي تواجه اليوم اكثر من أيّ وقت مضى تحدّيات الديون المقدّمة بالدولار الاميركي ومواجهة التحدّيات التي ترافق رفع اسعار الفوائد في اميركا. لذلك قد تكون الامور الجنونية التي تحصل اليوم في الاقتصاد العالمي مستحيلة في السابق لا سيما اسعار الفوائد السلبية واموال المروحية كما يحصل في سويسرا.
كذلك قد يكون الصحيح القول وحسب سامرز إنّ «الاقتصاد العالمي أسوأ بكثير ممّا تعتقده المصارف المركزية وأنّ التركيز على السياسة النقدية وحدها لم يفِ بالغرض، وقد كانت المصارف قاصرة في إعادة تنشيط النموّ ويجب التحوّل نحو حوافز أخرى بشكل الانفاق على البنية التحتية وما شابه ذلك». كذلك يضيف سامرز أنّ «فوائد سلبية سوف تتسبّب بفقاعات الاصول مثل الاسهم والسكن لا سيما وأنّ المستثمرين يتحوّلون نحو تحقيق عائداتٍ أعلى».
الى هذا، فإنّ توجّهات المصارف المركزية العالمية نحو فوائد سلبية وضخّ نقد في الاسواق لم يكن كافياً لغايته لإنهاء التباطؤ العالمي. لذلك قد يكون طلب سامرز واضحاً حين حثّ هذه المصارف الى التطلّع نحو أمور أخرى قد تساعد الى حدٍّ ما في تنشيط الاقتصاد ولا سيما حديثه وعدم اقتصار عمل المصارف المركزية على دورة الاعمال «Business cycle»، وهو دعاها الى العمل مع المؤسسات الاخرى لحلّ المشكلات العميقة التي حصلت في الاقتصاد مثل نموّ الإنتاجية وعدم المساواة، كما دعاها سامرز الى تبنّي هذه المشكلات وأخذها على محمل الجد.
والسؤال الاكثر ازعاجاً لصناع السياسة الاقتصادية وعلى ما يبدو وهو: لماذا يظلّ النموّ العالمي تافهاً وغير متوازن، معدّل النموّ في اميركا في الربع الأول كان ٠،٥ بالمئة بينما كان في منطقة اليورو ٢،٢ بالمئة بينما اليابان تراجعت بنسبة ١،١ بالمئة ويبدو أنّ الأنكماش والذي كان مشكلة اليابان وحدها اصبح يشكل تهديداً للاقتصاد العالمي والتشاؤم يظهر مع توقعات أسعار الفوائد الطويلة الأجل .فالمخاوف كثيرة والتفاوت كبير وعنوانه الرئيس ركود محتمل في اقتصادات العالم لا سيما المتقدمة منها.
هذا وسياسات المصارف المركزية أثبتت ولغاية الآن عدم قدرتها على تفعيل النموّ ورفع الأسعار ما يعني أنّ سامرز بات على حقّ في قوله إنّ على المصارف المركزية التطلّع نحو سياسات أكثر توسعية ليس من ناحية النقد انما من ناحية مؤشرات اقتصادية اخرى قد تساعد في إبعاد الاقتصاد ولو قليلاً من هذا الركود المحتم.