أقر مجلس الوزراء في جلسته الثانية، أمس، المخصصة للوضع المالي، وبإجماع الوزراء ضرورة إقرار الموازنة العامة للدولة للعام 2017 وفقاً للأصول وخلال المهل الدستورية، ومتابعة البحث في الجلسات اللاحقة بسائر المقترحات الآيلة الى معالجة الوضع الاقتصادي والمالي، ومنها إجراء الاصلاحات البنوية في مالية الدولة، لا سيما اقرار سلسلة الرتب والرواتب وإصلاح قطاع الكهرباء والاصلاحات الضريبية، وإطلاق قطاع النفط والغاز والحوكمة السليمة لمحاربة الفساد.
وأكدت مصادر وزاريّة ان هناك اتفاقا سياسيا بين مكونات الحكومة على انجاز الموازنة وارسالها الى مجلس النواب لدرسها واقرارها، «وفي حال تلكأ المجلس لاسباب ما في اقرارها تستخدم الحكومة حقها الدستوري في اصدار الموازنة بمرسوم بموجب المادة 86 من الدستور، بما فيها سلسلة الرتب والرواتب والاصلاحات الضريبية».
استهلّ رئيس الحكومة تمام سلام الجلسة بالتّذكير بتقرير وزير المال علي حسن خليل عن الوضع المالي والذي وُزّع على الوزراء للاطلاع عليه، ومن أبرز بنوده ضرورة إقرار الموازنة العامة من قبل مجلس الوزراء للحفاظ على سلامة الوضع المالي، ووجوب ان تأخذ الموازنة بالاعتبار انجاز سلسلة الرتب والرواتب.
وقدم الوزير حسين الحاج حسن مداخلة مطولة، ضمّنها أرقاماً تبيّن حجم البطالة، وقدّم مقترحات أبرزها انجاز الموازنة العامة، رفع الايرادات وخفض الهدر، إقرار مراسيم النفط والغاز بعيدا عن الحسابات والانقسامات السياسية وإلا ستذهب ثروتنا فوائد للمصارف ونبقى أسرى للدين العام، مؤكّداً أنّ معالجة الدين وخدمة الدين لا يعالجان إلّا بإقرار موضوع النفط.
ودعا إلى اقرار الاصلاح الضريبي وسلسلة الرتب والرواتب، وأكد ضرورة حماية الصناعة والزراعة الوطنية، واثار في هذا المجال المخاطر المتأتية عن الشراكة الاوروبية عل الانتاج الوطني، داعيا الى اعادة النظر باتفاقات الشراكة الاوربية. كما اثار الحاج حسن تأثيرات النزوح السوري على الحركة الاقتصادية، داعياً إلى معالجة حقيقية للنزوح السوري، وتشكيل خلية ازمة وزارية مالية ـ اقتصادية.
وإذ تحدث وزير الاشغال غازي زعيتر عن هموم ومشاكل وزارته وتوفير الاعتمادات المالية لها، دعا وزير التنمية الادارية نبيل دو فريج إلى إقرار الموازنة وتطبيق القوانين واعادة النظر برواتب المتقاعدين وألا تشمل التعويضات زوجته وبناته بعد وفاته.
لكن وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي رد برفض اقتراح دو فريج حول تعويضات المتقاعدين لاسباب انسانية خاصة للزوجة والابنة التي لا معيل لهما بعد وفاة الموظف، مشيراً إلى أنّه لا ضمانات للمسنين والمعوزين في لبنان اسوة بباقي دول العالم.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إنه إذا استمر الاشتباك السياسي حول كل الامور سينهار الوضع برمته. فيما ربط وزير البيئة محمد المشنوق بين اقرار الموازنة وبين معالجة مشكلة قطع حساب الموازنات السابقة.
ودعا وزير الزراعة اكرم شهيب إلى اعادة النظر بالاتفاقيات المعقودة بموجب الشراكة الاوربية ومعالجة الهدر في الجمارك الذي يوازي المدخول، وهو الامر الذي اشار اليه وزير المال في الجلسة الماضية.
بدوره، شدّد وزير الخارجية جبران باسيل على ضرورة إقرار مراسيم النفط واصلاح قطاع الكهرباء، وقال انه يمكن بالاتفاق السياسي معالجة المشكلات بشكل افرادي كل مشكلة على حدى، كما نستطيع معالجة قطع الحساب باتفاق سياسي، وهناك مقترحات اخرى في تقرير وزير المال نستطيع حل جزء منها او اعطاء اشارة في مجلس الوزراء للانطلاق في حلها.
وتساءل الوزير محمد فنيش: ألا نستطيع اقرار الموازنة في مجلس الوزراء ضمن المهلة الدستورية لنستطيع نشرها رسميا؟
في المقابل، أعلن وزير المال علي حسن خليل «أنّني أخفيت بعض الصفحات في المقترحات حتى لا ترتبط بالسياسة ويجري تفسيرها سياسياً، ويمكن ربط قطع الحساب باتفاق سياسيّ إذا كنّا جديين ببدء مرحلة سياسية جديدة في الحكومة، وألّا يكون عملنا تضييعا للوقت»، مؤكّداً أنّنا مقتنعون بالأرقام التي وردت في مشروع سلسلة الرتب والرواتب، ولا بد من اقرارها.
واعتبر خليل «ان هذه الحكومة هي من أجرأ الحكومات في مقاربة الملف الضريبي ومنها الضرائب على المصارف والعقارات»، مشيرا الى ان المؤشرات المالية ليست كارثية ولكننا امام واقع صعب ولكنه تحت السيطرة وهو مرتبط بمواضيع سياسية لا بد من معالجتها، وأبرزها انتخاب رئيس للجمهورية. والقاسم المشترك في المقترحات التي عرضناها هو اقرار الموازنة.
وعقّب وزير العمل سجعان قزي بقوله إنّ المشكلة ليست بوجود أزمة مالية واقتصادية فقط، بل بعدم وجود حل سريع لهذه الازمة على المديين القصير والمتوسط، والمشكلة الكبرى هي انه لا نعرف ماذا سيحدث بلبنان في هذه المرحلة، المستعصية على الحلّ، في ضوء التغييرات التي تجري في المنطقة ولا بد من ان تطال لبنان.
لذلك اقترح قزي نوعين من التدابير لمواجهة الازمة المالية والاقتصادية المتفاقمة:
– تدابير سياسية وهي: انتخاب رئيس للجمهورية، تحييد لبنان عن الصراعات، تعزيز الاستقرار السياسي فالأمني، واعتماد اللامركزية الموسعة.
– التدابير التقنية ذي الطابع المالي والاقتصادي وهي التالية: وضع موازنة للدولة اللبنانية، استثمار الثروة النفطية والغازية، حماية الانتاج المحلي لا سيما الزراعي والصناعي، وقف الهدر والفساد، ضبط رسوم الجمارك، تحسين الجباية، معالجة موضوع الكهرباء، حماية اليد العاملة اللبنانية لخلق فرص عمل، منع مزاحمة النازحين السوريين للقطاعات الاقتصادية اللبنانية، اعتماد الـ»BOT» في تلزيمات المشاريع الكبرى، احياء المجلس الاقتصادي – الاجتماعي، تخفيض الضرائب ورفع الرسوم.
وقال وزير السياحة ميشال فرعون: هناك نيات حسنة في معالجة المشكلة لكن من دون التنازل عن المواقف السياسية للبعض، معتبراً أنّ مداخلة الوزير حسين الحاج حسن كانت سياسية من دون تشخيص المشكلة على صعيد معالجة الازمة السياسية. ولا نستطيع ان نختصر مشكلة عدم اقرار موازنات من العام 2005 بقطع الحساب، والواضح أنّ جزءاً من الموازنة مرتبط ببند المحكمة الدولية، وإذا كان الحاج حسن بما ومن يمثل مستعدين لاقرار الموازنة مع بند تمويل المحكمة فلنمضِ اذن في اقرارها.
وتحدث سلام مجدداً، ليشير إلى التزام الوزراء بالمقترحات حول الموازنة، معتبرا ان هذا الموضوع حساس ودقيق وضاغط. وأضاف: «أنا أميل لمتابعة البحث تفصيليا بعدما اصبحت المعطيات بيدنا، خصوصا إذا كانت هناك جدية في تجاوز الخلافات السياسية، وحينها نستطيع معالجة الامور الفنية والتقنية في الموازنة».
وأشار إلى أنّ «هناك تراكمات منذ الشغور الرئاسي تجلت في اداء الحكومة، ونحن مضطرون لاتخاذ قرارات والذهاب الى اقرار الموازنة سواء مع او بلا قطع الحساب وسلسلة الرتب والرواتب».