إذا كان الهدف من كل التحركات التي تجري، هو استقرار لبنان، وإذا كان الإستقرار يتطلب تحصينًا سياسيًا وحماية اقتصادية، وإذا كانت الحماية الاقتصادية تتطلب شفافية لمواجهة الفساد المستشري، فأين البلد اليوم من معادلة غياب الشفافية وحضور الفساد؟
***
في كل مرّة يمر فيها لبنان بأزمة، تسمع أصواتًا تقول الآن هناك أشياء أهم، فلنضع الشفافية والفساد جانبًا، ولنهتم بما هو أكثر أهمية، وبعد ذلك نعود الى مواجهة الفساد.
***
هذا المنطق خاطئ مئة في المئة للأسباب التالية:
البلد ينتقل من أزمة الى أزمة، فإذا بقي التذرع بالأزمات لعدم العمل، فهذا يعني ان البلد سيبقى من دون معالجة لكثير من أزماته وملفاته.
الفساد سيبقى قائمًا في بيئة مريحة فطالما ان الفاسدين يعتبرون ان المسؤولين منشغلين عنهم بأمور اخرى، فانهم سيمعنون في فسادهم وسيضاعفون أرباحهم غير المشروعة.
***
أكبر مثال على ذلك، انه في شهر تشرين الثاني الفائت، شهر الأزمة، شُلّ البلد على المستويات الحكومية والنيابية والإدارية، لكن أعمال الهدر والفساد بقيت شغّالة، فكان المواطنون يتابعون أعمال التهريب سواء في المطار أو في المرفأ، وكانوا يتابعون أعمال الرشاوى في الإدارات والمؤسسات العامة.
اليوم عادت الحكومة الى أعمالها ومهامها ومسؤولياتها، فما الذي ستقوم به من أجل الانتهاء من فضيحة هذه الأعمال؟
كيف يمكن للمواطن أن يتحمل الزيادات في الأعباء والاستمرار في تحمل الهدر والفساد؟
كيف يمكن الوقوف في وجه هذه الطبقة الفاسدة التي لا تهاب أحدًا ولا تخشى من أحد؟
***
مهما جرى تحصين الأوضاع، فما لم يتم وضع اليد على مزارب الهدر والفساد، فلا نفع في الحديث عن تحسين للأوضاع.
إنّ المواطن اللبناني أمام فرصة كبيرة لاصلاح الأوضاع من خلال الاستحقاق الانتخابي الذي يفترّض أن يتم في أيار المقبل. هذا الإستحقاق هو مئة في المئة في يد المواطن اللبناني وليس بإمكان أحد أن ينافسه فيه، فليتحمل مسؤوليته من خلال اختياراته في صناديق الاقتراع، وعليه أن يختار مَن يعطيه الثقة في السير في مكافحة الهدر والفساد، وما لم يفعل ذلك، يكون هو مَن يتحمل التمادي في هذا الفساد من دون معالجة.
***
كيف ستكون مواكبة السلطة التنفيذية لهذا العمل؟
الخميس المقبل هو الإختبار الأول للحكومة حيث ينعقد مجلس الوزراء، وهو الأول الذي يتضمن جدول أعمال منذ مطلع تشرين الأول الماضي، أي قبل الأزمة، وفي رأس جدول الأعمال النفط والكهرباء وربما يُصار الى التطرق الى بعض التعيينات، وستحاول الحكومة الإفادة من الزخم الذي حصلت عليه والذي جعلها في موقع تحصين الثقة.