IMLebanon

هل تحسم الحكومة خياراتها وتنسّق مع سوريا بإعادة تفعيل المعاهدات على وقع الإرهاب ؟  

فجأة ومن دون مقدمات عاد سجن رومية الى الواجهة، هذه المرة من بوابة فعل الدولة، بعدما بقيت لسنوات صاحبة ردة الفعل في ملف تلك الامارة التي تشابكت المعلومات داخلها وحولها، عن الدور والعقدة التي طالما شكلها رعاياها، لتتعدد الاسماء والمواصفات والامكانات وتذهب في اتجاهات عدة تجاوزت كثيرا حدود السجن ولبنان كله، لتبلغ حد اصدار اوامر كان لها علاقة بتفجير هنا او هناك في لبنان وسوريا وربما ابعد، وفي كل مرة كانت الاتصالات والتحقيقات تنتهي عند بوابة السجن وارتباط ما بالمبنى «باء» بعمليات او تخطيط لاخرى. 

فعلى وقع موجة الاشادات بالانجاز الذي حصل والذي لم يكن ممكنا لولا غطاء القرار السياسي الذي جاء برأي الكثيرين واحداً من ترجمات اوجه مكافحة الارهاب في الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، والآتي لا بد سيكون بالتفاهم اكثر استقرارا وامنا، استغربت مراجع أمنية المبالغات الاعلامية المبرمجة عن انتحاريين بالعشرات يهددون البلاد فأكدت أن شيئا لم يتغير منذ اشهر في الواقع الأمني والارهابيون الخطرون لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة وهم في دائرة الضبط، نافية المتداول عن تحديد هوية المدعو ب.ح.ن. الذي عاد الى لبنان برفقة انتحاريي جبل محسن لتنفيذ عملية انتحارية في احد المناطق اللبنانية حيث جرى تعميم صورته على جميع الحواجز والدوريات بوجوب توقيفه وتسليمه إلى مديرية المخابرات.

مصادر وزارية مطلعة على اجواء الحركة الجارية، رأت أن ما حصل في جبل محسن يفترض أن يشكل نقطة تحول في مسار التعامل الرسمي اللبناني مع الجماعات الإرهابية، وحسم خياراتها لجهة تنسيق مع الحكومة السورية من خلال اعادة تفعيل المعاهدات الكثيرة بين البلدين، لان في ذلك مصلحة لبنانية على الصعيد الأمني من جهة وفي الشق المتعلق بأزمة النازحين من جهة اخرى، والا فان كل المؤشرات تدل الى ان الايام القادمة ستكون صعبة ولن يكفي مجرد انعقاد جلسات حوار للجم الانفجار المذهبي الذي قد يحدث، خاصة مع انتقال المواجهة الى مرحلة جديدة عبر اختيار الانتحاريين والاهداف من مناطق معينة.

وفيما يصعب حصر الأهداف والدوافع تضيف المصادر، التي حرّكت الارهابيين مجدداً على الساحة الداخلية اللبنانية في هذا التوقيت حصراً، علماً ان الأجهزة اللبنانية او بعضها على الأقلّ كان يملك معطيات عن إمكان عودة الاستهدافات الإرهابية، لا يفترض ان تكون هذه الاجهزة فوجئت بما جرى، فان الأشهر الأخيرة شهدت التضييق الأقوى من الجيش والاجهزة الأمنية على تمددات التنظيمات الارهابية سواء ميدانياً عبر جبهة عرسال حيث سُدت كل منافذ التسلل والتحركات بين عرسال ومنطقة الجرود المتداخلة مع الحدود السورية، ام داخلياً عبر مكافحة لا هوادة فيها للخلايا والمشبوهين والمطلوبين. ولم يكن ادل على ذلك من رقم قياسي حققه الجيش الشهر الماضي مع بلوغ عدد الموقوفين حوالى 1500 شخص، بحسب مصادر امنية.

ورأت المصادر ان «تحرير امارة رومية» انما جاء في اطار سلسلة متصلة من الاجراءات بدأت مع الخطة المضادة والاستباقية التي نفذتها القوى الامنية والعسكرية طوال الفترة الماضية والتي اثمرت عشرات الموقوفين ووقفا للعمليات في الداخل، ترافقت مع نجاح وحدات الجيش في اقفال الحدود بشكل كامل، وصولا الى اغلاق ثغرة رومية.

المصادر الامنية اعتبرت ان اهمية العملية الامنية الحرفية والنظيفة التي خططت لها شعبة المعلومات منذ عدة اشهر والمنفذة بعد اختيار التوقيت المناسب، تكمن بانهاء اسطورة المبنى «ب» في سجن رومية الى غير رجعة وعودة الهيبة الى الدولة، وان الرسالة التي وصلت للجميع واضحة لجهة ان الامن لن يكون موضع تجاذبات بين القوى السياسية، مؤكدة ان ما حصل في السجن ما هو إلا بدء معالجة الوضع الشاذ للسجناء بتهم الإرهاب ويأتي في سياق خطة بدأتها الحكومة اللبنانية لوقف حالة التفلت التي تعيشها بعض أقسام السجن، لا سيما قسم السجناء الإسلاميين، مدرجة الخطوة في اطار عملية المعالجة عبر فصل «الرؤوس الحامية» عن بعضها البعض بما يسهل التحكم بالقسم الذي يتواجد فيه الإسلاميون، لافتة الى ان المرحلة اللاحقة ستشمل مصادرة الهواتف الخليوية لاسيما «الثريا» الذي يمكنهم من التواصل مع إرهابيين خارج لبنان، ووقف خدمة الإنترنت ومصادرة أجهزة الكومبيوتر.

واعتبرت المصادر ان «التنسيق بالفرض» القائم بين «النصرة «و«داعش» في القلمون، يحتم على المعنيين الاخذ بالاعتبار وجود تقاسم ادوار بين الطرفين، استفادت منه الجبهة من خلال تبنيها ونشرها لشريط الانتحاريين في محاولة منها لاثبات وجودها بعد الاحداث التي شهدتها منطقة القلمون من تطويع «داعش» بالقوة للفصائل المسلحة، وصولا الى الكلام عن «تمرد» ابو مالك التلي، الراغب في ايصال رسالتين مزدوجتين الاولى لـ«داعش» ومفادها انه ما زال فاعلا وطرفا اساسيا في المعادلة الشمالية رغم الضربة التي تلقتها الجبهة بعد سيطرة الجيش على طرابلس وخروج قيادات الجبهة الاساسية منها، والثانية للدولة اللبنانية من خلال تهديد باعدام احد العسكريين ردا على ما حصل في سجن رومية، معيدا نفسه كطرف فاعل في المفاوضات حول الاسرى العسكريين.

هذه المرة كانت الاتصالات اخطر واكبر تقول المصادر، كشفت عن مربع يمتد من جرود عرسال الى مخيم عين الحلوة وسجن رومية ويصل الى العراق والرقة، فاتخذ القرار ونفذ. صحيح ان احدا لم يكن يتوقع ان تحسم الدولة بهذه السرعة وتقرر اقتحام السجن ولكن الصحيح ايضا ان السكوت طال والمطلوب ايضا معالجة الموضوع في العمق عبر اعادة النظر بوجود العناصر الامنيين المولجين الامن في رومية كما مساءلتهم عن الثغر الامنية التي ادت الى تحويل رومية الى فندق خمس نجوم، وسألت: كيف ستنعكس خطة امن رومية على ملف العسكريين المخطوفين ومصيرهم في ظل نشر صورة جديدة لهم مذيلة بعبارة «من سيدفع الثمن»؟ وهل تكمل القوى الامنية ما فرضته مانعة الاتصالات وضابطة التهريبات ولاغية الامتيازات؟ وكيف ستنعكس خطة امن رومية على ملف العسكريين المخطوفين ومصيرهم في ظل نشر صورة جديدة لهم مذيلة بعبارة «من سيدفع الثمن»؟