لا يزال الرهان متمحوراً حول قدرة العهد الجديد على تحقيق الانطلاقة المرجوة من خلال التكليف والتأليف وصولاً إلى قانون الانتخابات الذي يمهّد لمجلس نيابي جديد، أكثر تمثيلاً، يُعيد الحياة إلى السلطة التشريعية بعد طول تعطيل. ولكن هذا الدرب دونه عقبات عديدة تبدأ من جلسة الاثنين 31 ت1 ولا تنتهي عند الاستشارات النيابية، بل تتصاعد، كما بَشّر الرئيس نبيه برّي، لتصل إلى «الجهاد الأكبر» عندما تدق ساعة التأليف وتقاسم الوزارات، أو بالأحرى الحصص، من دون إغفال الشروط التعجيزية المنوي فرضها على الرئيس الحريري، «مكافأة» له لتسهيله عملية انتخاب الرئيس، أو بالأحرى استكمالاً لتنازلاته!
إلا أن التحدّي الحقيقي يكمن في قدرة الفريق الداعم لوصول الجنرال إلى بعبدا على تعميم هذا التوافق على سائر الملفات الخلافية من تأليف حكومة إلى بيان وزاري وصولاً إلى تطبيق بنود هذا الأخير والمضي قدماً في تسيير أمور المواطن بعد تعطيل دام طويلاً. إن تصريح العماد عون أن سياسة العهد ستكون بعيدة عن الكيدية بالغ الأهمية طالما القرار بيده، حرّ من أية ضغوطات ممكن أن تُعيد سيناريو الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس لحود.
إن لبنان بات قاب قوسين من الانهيار الاقتصادي أولاً، والاجتماعي والمعيشي ثانياً، وذلك ثمن مواقف فريق حرص على عزل لبنان عن محيطه العربي الطبيعي وزجّه في حروب وصراعات المنطقة، من دون أن تعود عليه بأية فائدة أو مصلحة وطنية، بل على العكس، دافعاً أثماناً باهظة تفوق قدرته الاقتصادية والحياتية على تحمّلها. فهل سيكون الرئيس العتيد قادراً على تأمين انطلاقة قوية لعهده، تتويجاً للتوافق الداخلي، ولو لم يكن شاملاً، أم أن التزاماته مع حلفائه ستشكل حائطاً مسدوداً أمام خطاب قسَم يُحاكي تطلعات شعب ناضل طويلاً في سبيل حريته واستقلاله، وحواجز لا تنتهي أمام حكومة يرجو أن تكون فاعلة ومنتجة لتحدث الصدمة الإيجابية التي طال انتظارها على صعيد الاقتصاد والاستثمارات والمشاكل الاجتماعية المتراكمة؟
إن طريق بعبدا لم يعد مستحيلاً، إلا أن العبرة في قدرة هذا الطاقم السياسي، الذي تعالى عن خلافاته وأنتج رئيساً يقولون زوراً أنه «صنع في لبنان»، أن يعمم هذا التوافق حول الملفات الأخرى بعيداً عن الابتزاز والتعطيل السقيم، الذي دفع ثمنه اللبنانيون باهظاً من اقتصادهم وسلامة بيئتهم وحقوقهم المدنية المهدورة، وهو نفسه الذي حوّل لبنان إلى ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات حسب ما تجري الرياح الإقليمية.
إن ساعة امتحان النوايا دقت، فهل تصدق الوعود أم «عالوعد يا كمون؟!».