توقفت أوساط سياسية عند قول الرئيس نبيه بري على هامش مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الذي انعقد في جنيف: “إن ما يجري حاليا في المنطقة هو تقسيم المقسم، وها هي حدود سايكس – بيكو تسقط بين العراق وسوريا والتركيز الآن على إسقاطها ايضا بين سوريا ولبنان”. واعتبر ان “الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة داعش ليس جاداً في الواقع الميداني وأن المستفيد الأول مما يجري الآن هو العدو الاسرائيلي”.
لقد كثر الكلام على سايكس – بيكو جديد خصوصا بعد مراقبة الطريقة التي تواجه بها الولايات المتحدة الاميركية تنظيم “داعش” وكأن هذا التنظيم مكلّف ترسيم الحدود الجديدة لخريطة الشرق الاوسط وللأنظمة فيها التي لم تعد تصلح لها سوى “الفيديرالية” او “الكونفيديرالية” بعدما بات التعايش شبه مستحيل داخل الوطن الواحد بين المذاهب المختلفة والاتنيات، وأن لا بديل من هذه الصيغة سوى حروب لا تنتهي. فإذا كان “سايكس – بيكو” تم التوصل إليه نتيجة حرب، فإن البديل منه قد يتم بعد حروب وفوضى واضطرابات…
يقول المؤرخ الاسرائيلي بني موريس في كتاب “تاريخ الصراع العربي – الصهيوني” إن بن غوريون عرض مخططاً لإعادة تنظيم الشرق الأوسط يقضي بزوال دولة الاردن عن طريق ضمها الى العراق، وتقوم اسرائيل بضم الضفة الغربية لنهر الاردن، ويتخلى لبنان عن مناطق في الجنوب والشرق حيث تعيش اكثرية مسلمة، وتضم اسرائيل جنوب لبنان حتى نهر الليطاني اليها، وفي سيناء تحتفظ اسرائيل بشريط حدودي يمتد حتى شرم الشيخ، فتوسيع رقعة دولة اسرائيل الجغرافية هو هاجس زعماء في اسرائيل. وفي مطلع ثمانينات القرن الماضي صدر في المجلة الرسمية لـ”المنظمة الصهيونية العالمية” مقال بعنوان: “ما يجب ان تكون عليه استراتيجية اسرائيل” سلّط فيه الكاتب الضوء على الخلاف الديني الاسلامي – المسيحي وعلى عوامل العنف البنيوية التي تعاني منها الدول العربية كافة، اي التنوع الطائفي والمذهبي والاتني والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، وأنظمة الحكم الاستبدادية. ووصف الكاتب العالم العربي – الاسلامي بقصر من ورق بنته القوى العظمى الاجنبية (بريطانيا وفرنسا) وسكان هذه الدول ينتمون الى مجموعات اتنية متعددة والى اقليات تعادي بعضها البعض الى درجة ان وحدة كل دولة من الدول المسلمة مهددة من الداخل بسبب التوترات الاتنية والاجتماعية، ناهيك بالحرب الأهلية وقد بدأت فعلا داخل حدود عدد من هذه الدول. ويرى الكاتب ايضا ان مصلحة اسرائيل الاستراتيجية تقضي بتفتيت دول المنطقة بدءا من مصر وسوريا ولبنان وصولا الى العراق والمملكة العربية السعودية الى كيانات دينية ومذهبية متناحرة، وهو هدف في متناول اسرائيل، وإن هذا المخطط سيضمن الامن والسلام في المنطقة على المدى الطويل.
وبعد صدور هذا المقال وظهور المشروع الهادف الى اقامة دولة يهودية في فلسطين، ناقش المسؤولون في المنظمة الصهيونية العالمية كل القضايا المتعلقة بإنشاء الدولة وحدودها ومصير سكان البلاد الفلسطينيين مثل طرد الفلسطينيين من أراضيهم (ترانسفير) وارتكاب مجازر…
وكانت الاوساط السياسية نفسها توقفت ايضا باهتمام عند صدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 2170 بالاجماع وتحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ما يجعل تنفيذه يتم بالقوة العسكرية إذا لزم الامر، وهو ما تطلب تشكيل تحالف دولي يتصدى لخطر “داعش” والارهاب، وقد يتخذ من هذا الخطر ذريعة لإعادة رسم خريطة الشرق الاوسط ووضع اتفاق جديد بديل من اتفاق “سايكس – بيكو” بعيد توزيع مناطق النفوذ على اسس جديدة وحدود جديدة وانظمة جديدة تأخذ بالتطورات والمستجدات في المنطقة. وها ان القصف الجوي للتحالف أخذ يثير التساؤلات بدءا باقامة دولة كردية ايذانا بتقسيم العراق ثم اليمن وليبيا وسوريا بعدما تبين ان لا حلول لأزماتها الا بالتقسيم وباعتماد أنظمة تحقق التعايش السلمي الهادف بعد حروب مذهبية فيها جعلت من المتعذر استمرار هذا التعايش.
لذلك لا بد من انتظار تجربة تطبيق الحل في العراق والتطورات المتسارعة في اليمن والحل السياسي الذي سيعتمد في سوريا ونتائج الحرب الداخلية في ليبيا والتوصل الى اتفاق في لبنان يخرجه من ازمة الشغور الرئاسي التي يخشى اذا استمرت ان تفتح ابواب الفراغ الشامل فيه بحيث لا يكون خروج منه الا بالاتفاق على صيغة جديدة للبنان وعلى نظام جديد فيه.