لم ينفع التوضيح الذي أصدرته السفارة الايرانية في بيروت والذي ورد فيه “إن التصريحات التي أدلى بها مستشار رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية المحترم قد تم تحريفها بالكامل تحريفا ممنهجا. وإن مبادئ السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم على أساس احترام القواعد الدولية، وهي ترى أن عهد الإمبراطوريات قد ولى إلى غير رجعة، ثم إن ثورة الإمام الخميني والشعب الإيراني قامت أساسا على مبدأ التصدي ومواجهة المشروع التوسعي لقوى الاستکبار والاستعمار العالمي”، إذ استدعي المستشار إلى المحكمة الخاصة برجال الدين، ليتأكد الخبر ويُتهم بأنه “وفّر مادة اعلامية لقوى الاستكبار”.
وكان مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات، علي يونسي، صرح أن إيران إمبراطورية عاصمتها بغداد، وذلك خلال منتدى” الهوية الإيرانية” في طهران، الأحد 8 آذار الجاري. وأضاف أن “إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت سابقا وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ”.
لكن الواضح أن الإرادة الإيرانية بسط وصاية طهران على العراق ولبنان بعد سوريا، التي صارت في قبضتها، لم تكبحها المحكمة التي تنظر في تصريحات يونسي، إذ نُقل أمس عن قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الايراني “الباسدران” قاسم سليماني قوله إنّ بلاده “حاضرة في لبنان والعراق، وإنّ هذين البلدين يخضعان في شكل أو في آخر لإرادة طهران وأفكارها”، مشيراً إلى أنّ “إيران يمكنها التحكم في هذه الثورات لتوجّهها نحو العدو، وأنّ هذا الإمكان متوافر في الأردن”.
هذا الكلام، معطوفاً على كلام يونسي، وعلى مجمل السياسات المتبعة حالياً، وخصوصاً في ظل تفاوض طهران مع واشنطن، يكشف بوضوح النية للإمساك بمجمل الملفات في المنطقة العربية، ودفعها إلى أحضان الفرس، كما كانت تفعل السلطنة العثمانية زمن التتريك، أو إلى تسلم الملف اللبناني في صفقة مشابهة لما فعلته دمشق عشية حرب الخليج، إذ نالت تفويضاً من الولايات المتحدة فرضت بموجبه وصايتها على لبنان إلى أن قرر المجتمع الدولي إنهاء خدماتها، بل أيضاً معاقبتها على كل المرحلة السابقة.
والسؤال الصعب هو: هل تتكرر تجربة تعامل فئة من اللبنانيين مع وصاية جديدة؟ أم انهم تعلموا من دروس الماضي؟ أم انهم ينشدون تلك الوصاية التي تتحقق معها مرحلة استقواء جديدة قد ترسم معالم تغيير شكل النظام اللبناني وهويته؟