يقول بعض الأوساط العربية إنّ الجهات التي وقفت وراءَ قرار اعتبار «حزب الله «منظمة ارهابية» فوجئت بحجم ردود الفعل الشعبية، وحتى الرسمية، المعترضة على هذا القرار.
فبالإضافة الى مواقف العراق والجزائر واعتراض وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، جاءت تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ووزير خارجيته المتنصلة من قرار مجلس وزراء الداخلية العرب بسبب ضغوطٍ شعبيةٍ واسعة في تونس، لتُظهر أنّ الإجماع العربي لم يكن متوافراً.
وتقول شخصية عربية مطّلعة إنّ الجهات التي تقف وراءَ هذا القرار تدرك تماماً أنّ دولاً عربية أُخرى لم تكن موافقة، بما فيها دولٌ خليجية معروفة، لكنها حرصت على مجاملة المملكة العربية السعودية الغاضبة والتي تربطها بها علاقات متشعبة.
وعلى المستوى الشعبي امتلأت وسائلُ الاعلام ببياناتٍ وتصريحات لهيئاتٍ عربية وإسلامية من المشرق العربي الى المغرب العربي، ومن أسماء وهيئات لا يمكن اتهامها بأنها «شيعية»، أو مرتبطة بإيران، بل إنّ بعضها له مواقف إنتقادية ومعارضة للسياسات الإيرانية في غير ملف، وخصوصاً في الملف العراقي منذ الاحتلال الأميركي وحتى اليوم.
وتضيف هذه الشخصية العربية أنّ الجهات التي وقفت وراءَ القرار بتصنيف حزب الله «منظمة إرهابية» لم تتنبّه الى أنّ الملاحظات التي تحملها جهاتٌ لبنانية وعربية وإسلامية على مواقف اتخذها حزب الله أو سياسات اعتمدها، لا تعني أبداً انها تفرّط بمكانته كحزبٍ مقاوم أذلّ العدوَّ الاسرائيلي في أكثر من محطة. فيما كان هذا العدوّ يُذِل كثيراً من المسؤولين العرب.
فسوءُ التقدير في هذه القضية أو تلك، يكاد يكون اليوم سمة مشترَكة لكثيرٍ من الساسة والمسؤولين الذين يخطئون الحسابَ بسببٍ فائض القوة، سواءٌ كانت القوة عسكرية أو سياسية أو مالية.
وتلاحظ هذه الشخصية العربية أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي عُرِف عن إدارتها التحامل الطويل على حزب الله، وعلى كلِّ حركة مقاومة للاحتلال الاسرائيلي، لم تكن مرتاحة الى هذا التصعيد الجديد الذي يفتح جبهة جديدة في هذه المنطقة لا يمكن التكهن بنتيجتها وتداعياتها، سواءٌ في لبنان أو في المنطقة العربية كلها.
ولذلك تعتقد الشخصية نفسها أنّ الظروف مؤاتية لمسعى عربي ودولي بهدف معالجة تداعيات هذا القرار، وتجنّب مفاعيله، وإجراء وساطة بين المعنيين بهذه القضية، وإن بدا الأمرُ بعيداً، لا بل إنّ تمسّك الرئيس سعد الحريري بالحوار مع حزب الله، على رغم هذه التطورات وموقف الوزير المشنوق العاقل في تونس وتصريح رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط التصحيحي للقرار بدعوته الى الاقتداء بالاتحاد الأوروبي الذي اعتبر الجناحَ العسكري لحزب الله فقط «منظمة إرهابية، يؤهل هذه الأطراف ومعها بالطبع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يحرق الجسور مع الرياض طوال هذه الفترة، لأن يلعبوا دوراً في إطفاء هذه الشرارة قبل أن تتحوّل حريقاً كاملاً، خصوصاً أنّ للدول التي اتخذت هذا القرار مصالح في لبنان لا تقلّ عن مصالح اللبنانيين فيها، وهو أمر معروف لدى جميع المعنيين في كلّ هذه البلاد.
وتُذكّر الشخصية العربية المطّلعة نفسها باجتماعٍ انعقد في 14 آذار 1996 في شرم الشيخ برئاسة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وضمّ 29 دولة عربية وأجنبية ووصم «حزب الله» وحركة «حماس» بالإرهاب ما اعتبره كثيرون تمهيداً للعدوان الاسرائيلي على لبنان في نيسان من السنة نفسها والذي عُرف بإسم «عناقيد الغضب».
يومها قيل إنّ وزيرَ الخارجية الأميركية وارن كريستوفر قد اتصل بنظيره السوري آنذاك فاروق الشرع وأعطاه رقم هاتفه خلال جولة له في جنوب شرق آسيا، قائلاً له: «إذا احتجتم شيئاً يمكنكم الاتصال بي على هذا الرقم».
وكان كريستوفر يقصد بذلك أنّ الضربات الإسرائيلية ستكون موجعة الى الحدّ الذي يجعل حزب الله ودمشق يسرعان الى الاتصال به ويطالبانه بالعمل لوقف النار. ويومها لم يكتفِ الإسرائيليون بالقصف على المواقع العسكرية، بل ارتكبوا أبشع المجازر في قانا والنبطية الفوقا والمنصوري، معتقدين أنهم بوحشيّتهم واستهتارهم بمراكز الأمم المتحدة في الجنوب سيجبرون المقاومة على الرضوخ لشروطهم.
وتضيف الشخصية العربية أنّ رياح الحرب لم تجرِ كما إشتهت سفنُ تل أبيب وواشنطن. فكريستوفر نفسه جاء الى دمشق وانتظر يوماً كاملاً قبل أن يقابله الرئيس حافظ الأسد. لا بل تمّ بوساطة فرنسية التوصلُ الى «تفاهم نيسان» الذي كرّس للمرة الأولى الاعترافَ الدولي بحقّ حزب الله في مواجهة أيّ اعتداءٍ إسرائيلي.
وتستطرد هذه الشخصية بالقول إنّ قرار وضع حزب الله و»حماس» على لائحة الإرهاب قد سقط في الميدان وبات الحزب أكثر قوة، بل نجح في إجلاء القوات الاسرائيلية عن معظم الأراضي اللبنانية المحتلة بعد أربع سنوات على ذلك الاجتماع الدولي في شرم الشيخ والحرب الإسرائيلية على لبنان.
يبقى السؤال هل تقرأ الجهاتُ الغاضبة الواقعَ الميداني والسياسي والشعبي قراءةً دقيقة وتستمع لنصائح عربية ودولية بضرورة مراجعة هذه القرارات التي لم تؤثر سابقاً على المقاومة ولن تؤثر عليها لاحقاً.
بل إنها تُضعف من حجة أصحاب هذه القرارات الذين كانت لهم مواقف سلبية من حزب الله منذ سنوات كثيرة، ولا ينسى اللبنانيون والعرب معهم تعامل النظام الرسمي العربي مع حرب تموز 2006 ووصفها بـ«المغامرة غير المحسوبة» وبالبيان «المخجل» الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب يومها، بالإضافة الى قرارات صدرت عن قمّة العشرين التي كانت تضمّ أيضاً روسيا والصين.
وحين انجلى غبارُ الميدان عن فشل مدوٍّ للحرب الإسرائيلية، أعاد الكثيرون حساباتهم واستقبل الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ومعه الوزير محمد فنيش في الرياض في زيارة كان الهدفُ منها فتح صفحة جديدة بين الرياض والحزب.
ويذكر اللبنانيون أيضاً أنّ الحملة على حزب الله يومها لم تكن ترتكز الى اتهامات له بالتدخل في سوريا واليمن والعراق والبحرين، بل كان الحديث مركزاً على مقاومته للمحتلّ الإسرائيلي فقط.
ومن هنا تنتهي الشخصية العربية الى القول إنّ «مراجعة هذه القرارات فيها مصلحة للجميع لأنها توفّر على لبنان والمنطقة كثيراً من المتاعب والمصاعب والخراب الذي بات يحتلّ دولاً عربية بكاملها».
فهل تنجح الوساطات الجارية اليوم بعيداً من الأضواء في تضميد هذا الجرح الجديد قبل أن يتّسع؟ وهل يتّسع قرارُ وقف العمليات العدائية الجاري تطبيقه الآن في سوريا ليشمل أيضاً هذه التوترات السياسية والإعلامية التي يعيشها لبنان والمنطقة؟