الامر المهم الذي ترقبته مصادر سياسية في بيروت من اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الاميركية جون كيري مع نظيره اللبناني جبران باسيل في باريس على هامش المؤتمر الدولي عن العراق الذي نظمته العاصمة الفرنسية، يتصل بما اذا كان رئيس الديبلوماسية الاميركية ابلغ باسيل ضرورة الاقلاع عن تعطيل انتخابات الرئاسة اللبنانية لعدم امكان وصول العماد ميشال عون الى موقع الرئاسة الاولى، او ان كانت الديبلوماسية الفرنسية ستتولى ابلاغه ذلك على الهامش ايضا . هذا على الاقل ما أملته المصادر التي تعتقد انه في ضوء اللقاءات الاميركية مع المملكة العربية السعودية او اللقاءات الفرنسية كذلك في الاونة الاخيرة، وحتى قبل ذلك منذ بضعة اشهر ، قد يكون مفيدا اقفال باب الرهانات المستمرة على تغييرات يتوقعها فريق باسيل لمصلحته في موضوع الرئاسة الاولى ، وذلك من اجل انقاذ لبنان من جهة ومساعدة المسيحيين من جهة اخرى، وفق ما ترى كبرى العواصم موضوع انتخابات الرئاسة في هذه المرحلة بالذات . فالوزير كيري يمكنه ويفترض ان يقوم بذلك في ضوء الاقتناع، بل الادراك ان لا حظ محتملا للعماد عون، وفي ظل اعتقاد انه يمكن دوما اعادة لبننة الانتخابات عبر موقف يساهم في اسناد ادوار الى افرقاء الداخل وتقليص فاعلية التأثير الخارجي اذا كان في الامكان .
فمع ان مشاركة باسيل ممثلاً لبنان في المؤتمر تركز على موضوع التحالف الدولي من اجل دعم العراق ومواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية”، فإن ما جرى على هامش المؤتمر من لقاءات جانبية يبقى هو الاهم، وهو ما يتطلع اليه المشاركون في اي حال . ويظل مفيدا للبنان ان يكون موجودا على الصعيد الديبلوماسي والا يغيب او يغيّب نفسه، مع انه ليس خافيا ان مراقبين كثرا لا يتوقعون دورا للبنان ذا مغزى في مؤتمر دعم الامن والسلام في العراق وما يتصل بمحاربة تنظيم “داعش” نتيجة لاعتبارات متعددة. ولعل أهم هذه الاعتبارات ان مشاركة باسيل في مؤتمر جدة في المملكة العربية السعودية بنية التحالف من اجل مواجهة تنظيم “داعش”، لقي ردود فعل سلبية وانتقادات من حلفائه في قوى 8 آذار على رغم ارتياح هذا الفريق الى انخراط دولي واقليمي وحتى محلي داخلي في ما يدرجه في اطار معركته الى جانب النظام السوري . فعدم شمول التحالف الدولي نظام بشار الاسد، ورفض التعاون معه من اجل مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية”، كفلا معارضة ايران، وطبعا قوى 8 آذار لهذا التحالف، بحيث وجهت انتقادات لباسيل على هذا الاساس . وفي ظل اعلان مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله خامنئي رفضه العرض الاميركي لتعاون ايران مع الولايات المتحدة لمواجهة هذا التنظيم، وكذلك تهديد النظام السوري برد فعل على ما قد يعتبره انتهاكا لسيادته في حال توجيه ضربات لـ”داعش” من دون موافقته ، من غير المحتمل ان تكون هناك اي مشاركة للبنان ، في حال التسليم جدلا بان لبنان يملك قدرة على المساهمة في التحالف الاقليمي والدولي الذي اعتبره حلفاء باسيل خرقا لسياسة النأي بالنفس الحكومية، على رغم ان هذه السياسة خرقها الافرقاء المنتقدون بوضعهم “اعلان بعبدا”جانبا. اضف الى ذلك ان لبنان مشارك فعلا في الحرب على الارهاب، وهو ضد متطرفي التنظيمات الاسلامية، لكنه يحتاج الى مساعدة قوية ابرزت الحاجة اليها الاسلحة الاميركية للجيش اللبناني في الاسابيع الاخيرة في شكل خاص، وتوجه الحكومة اللبنانية الى قطر من اجل مساعدة لبنان على انقاذ رهائنه العسكريين. وهو في ذلك شأنه شأن العراق الذي خُصّص مؤتمر لدعم حكومته حتى تكون قادرة كما قيل على قتال الارهابيين ضمانا لامنه واستقراره. كما ان ثمة خلافات داخلية في شأن مواجهة الارهاب على المستوى الحكومي وكيفية المساهمة، اذا امكن ذلك، في محاربة “الدولة الاسلامية”. فهل يكون ذلك بالتعاون مع النظام السوري وفق ما يطمح اليه فريق 8 آذار ويدفع به في هذا الاتجاه، او وفق معايير مؤتمر جدة الذي يرفض التعاون مع النظام ويدفع في اتجاه تدريب المعارضة السورية المعتدلة؟.
ومع ان مشاركة لبنان في الحرب على الارهاب وكيفية مقاربة هذه المواجهة على الصعيد الداخلي وبأي مفاهيم، موضوع يمكن ان يشكل مدار بحث وجدل داخليين بحيث يستحق المتابعة في الايام المقبلة، ينبغي الاقرار في المقابل بأن مشاركة باسيل في مؤتمر جدة او مؤتمر باريس يظللها الاعتقاد القوي بمساع حاول ويحاول ان يبذلها من اجل اقناع المعنيين المؤثرين بجدوى انتخاب عون، والضغط على من يلزم اقليميا او محليا لانجاز الانتخابات على نحو يصب في مصلحة فريقه، واهمية ذلك للبنان، من وجهة نظره على الاقل.
هذا الواقع يعرفه الاميركيون والفرنسيون على نحو جيد، ولكن لعلّهم اقدر على توجيه الرسالة اللازمة من الافرقاء المحليين الذين يتقاذفون كرة ابلاغ عون بعدم امكان انتخابه لاعتبارات ومصالح خاصة بكل منهم ، وخصوصا ان الرسالة من عواصم مؤثرة قد تكون اكثر اقناعا بان المتغيرات الجذرية على هذا الموضوع لن تكون محتملة أقله في المدى المنظور، اذا كان ثمة انتظار لهذه المتغيرات ولاسيما في ظل الحاجة الى تحالفات تضمن تغطية سياسية من دول عربية مؤثرة للحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية”.