لا يمكن بحسب كثيرين تصنيف الانتخابات البلدية التي جرت الاسبوعين الماضيين ووضعها في خانة محددة بانها اما انتخابات حزبية او عائلية فقط او تفاهمات، بل هي مزيج عجيب غريب من التصويت العائلي المحض في بعض البلدات والحزبي في اخرى وفي اطار التفاهمات وخارجها في مواقع اخرى تداخلت مع بعضها ضمن خليط متنوع الغى اصطفافات 8 و14 آذار واختفى الصراع السياسي الى حين فيها وأزيلت الحواجز بين المتقاتلين في المحورين التابعين ل 8 و14 آذار لترتفع مرات بين الحلفاء أنفسهم، حيث التزم كل فريق استراتيجية ما يناسبه ومصالحه الراهنة تمهيداً لتثبيت وضعيته السياسية استعداداً لاستحقاقات اخرى لا تقل شأناً عن الاستحقاق البلدي بل تتعداه في الاهمية . اما وقد مرت «عصفورية» الانتخابات في المحطتين الاوليين بانتظار الجولة الثالثة نهارية الاسبوع فان خلاصة ما جرى يظهر ان عوامل كثيرة تداخلت في الانتخابات البلدية عائلية وسياسية وحزبية وشخصية، وهذه الانتخابات ربما ستكون مرآة تظهر الاحجام والاوزان قبل الاستحقاق الانتهابي خصوصاً في البلديات الكبرى التي شهدت معارك ضارية وقاسية، واذا كانت انتخابات البقاع وجبل لبنان اوضعت وضعية قوى سياسية واحزاب معينة، فان ما تبقى من انتخابات سوف يكون تتمة مع اضافات في الشمال والجنوب لوضعية قوى سياسية اخرى في طليعتها حزب الله وحركة امل جنوباً والمردة والقوات والحزب القومي وميقاتي والصفدي والحريري وريفي شمالاً، اما في جبل لبنان فيمكن الركون بعد جلاء غبار عاصفة الانتخابات الى الوقائع التالية: تمكن كل من وليد جنبلاط والكتائب والتيار الوطني الحر وحزب القوات والنائب ميشال المر من تحقيق انتصارات كل على طريقته ووفق قوته الذاتية او بالتحالف والتفاهمات الانتخابية، يتباهى حزب الكتائب بانه خرج من الانتخابات بنتائج مدوية وانه حقق انتصارات محطماً ثنائية تفاهم معراب واسقاط نظرية تسونامي الـ 86 بالمئة للتيار والقوات على الساحة المسيحية في سن الفيل وبلديات متنية من خلال التفاهم مع الجميع مع العونيين والقوات، اما التيار الوطني الحر فهو ثبت زعامة ميشال عون سواء بالتحالف الانتخابي مع القوات او بالصراع معها في زحلة وفي جونية رغم اهتزاز التفاهم تحت وطأة المعارك البلدية، والانشقاقات في صفوف التيار وفي بعض الهيئات العونية على خلفيات انتخابية وطبيعة التحالفات وعدم تجانسها، فاستطاع عون ان يكسب وحيداً في بعض المحطات بعدما شنت عليه حرب الغاء اخرى في معركة الحدت، ورغم الاصوات الاعتراضية لبعض كوادره والاحتجاجات في صفوفه والانشقاقات منذ الانتخابات الحزبية الاخيرة، فان التيار الوطني الحر اثبت انه لا يزال يتمتع بحيثية خاصة وشعبية مسيحية لم تؤثر فيها الخضات من تفاهم معراب الى الخلافات الحزبية، وما حققه عون يعود الى نزوله على ارض معركة جونية لضراوة المعركة في وجه تحالف البون والخازن وافرام، ومن خلال شخص العميد شامل روكز وادارته المعركة وقد شكلت انتخابات كسروان البروفا السياسية والانتخابية الاولى له لاثبات نجاحه في السياسة على طريقة نجاحه العسكري وانجازاته داخل المؤسسة العسكرية . في حين ان القوات خاضت الاستحقاق بقوة وعنف بالتفاهم مع التيار ومع حلفاء آخرين عندما اقتضت الضرورة واستطاعت القوات ان تسجل ارقاماً وانتصارات في بلدات مسيحية فيما تراجعت في اخرى، وحيدت نفسها عن مواجهات حادة قدر الامكان في مناطق معينة وضبطت تصويتها وكوادرها تحت عباءة التفاهم مع التيار، في حين توقعت في جونية ان يسقط التيار بدون ضربات مخصصة منها في جونية ووقفت الى جانب معركة نعمة افرام. وبانتظار ان تظهر المردة مفاجآت في معركة الشمال خصوصاً ان حضورها في جبل لبنان أقل قوة وتأثيراً عن لبنان الشمالي رغم تدخل فرنجية في معركة جونية ضد ميشال عون، فان وليد جنبلاط رغم كل ما قيل ويقال عن تمرد في الشوف تمكن من المحافظة على وضعيته في بعبدا وعاليه مقابل ضمور حالة دوري شمعون في الشوف وتقدم النائب جورج عدوان، واثبت جنبلاط مجدداً انه الاول درزياً رغم انتصارات لوئام وهاب وطلال ارسلان في بلدات معينة.
بدون شك فان النتائج البلدية اظهرة صورة واضحة المعالم على توزع القوى السياسية واحجامها الجديدة، وهي بدون شك صورة لكنها ليست طبق الاصل عن الاستحقاق النيابي الذي تتداخل فيه حسابات اخرى مختلفة لكنها تعطي فكرة عن الاحجام والاوزان وقوة او ضعف وتراجع اللاعبين الاساسيين في الاستحقاق.