تراخٍ خارجي يساهم في تفكّك المؤسسات
هل يأتي الرئيس الجديد بعد التسوية السورية؟
لا تخلو الصدف من إشارات دالّة على حقيقة الامور خارجيا لجهة التعاطي مع الاستحقاقات اللبنانية، الرئاسية منها والنيابية، لا بل ان بعض التصرفات لم تعد تعتني بأدنى الاحتياطات التي من شأنها احترام العقل اللبناني، والسبب ان الفرقاء اللبنانيين يسيرون بإرادتهم الى مصيرهم المجهول، وعند وقوع المصيبة والدخول في المحظور يبدأ التنظير عن الواقع ومخاطره والتداعيات بكلام صار يلوّث سمع اللبنانيين ويرهق اعصابهم ويستفزّهم في الواقع الذي يرزحون تحت همومه.
صحيح ان ما يتخبط به لبنان هو مسؤولية كل الطبقة السياسية بلا استثناء، إلا ان المؤشرات الديبلوماسية تشي بعكس ما هو معلن، ويكفي الاشارة الى ما حصل منذ ايام قليلة عندما كان سفير دولة اوروبية فاعلة يزور مرجعاً لبنانياً وعند خروجه من اللقاء افاض في دردشة مع عدد قليل من الصحافيين في الحديث عن جهود بلاده لمساعدة لبنان عبر استقبال النازحين السوريين والاستعداد لعقد مؤتمر تستضيفه بلاده للبحث في هذه القضية، مع الاستعداد لمساعدة الجيش اللبناني.
واشعر السفير المذكور مستمعيه بأن السوريين النازحين الذين تستقبلهم بلاده في اطار مساعدة لبنان، وكأن لبنان هو المسؤول عن موجات النزوح وليس السياسة الغربية التي ادخلت المنطقة في فوضى عارمة. كما ان مقاربته لاستضافة بلاده للمؤتمر على انها انجاز يخدم لبنان، وهو يعلم كما غيره ان الدولة اللبنانية لم تجن من المؤتمرات الا الوعود الفارغة والمزيد من اعداد النازحين ومراكمة الاعباء الاقتصادية والامنية والاجتماعية والسياسية.
الا ان المفاجأة كانت عندما فوجئ الصحافيون بالسفير المذكور يخرج من سيارته مسرعا الى حيث هم وهو يمضغ قطعة الشوكولا ويفرك ورقتها بين اصبعيه ويباشر بالقول «عفوا، لقد نسيت ان اقول لكم بأن بلادي، كما الاتحاد الاوروبي، تدعو لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وليس مقبولا ان يبقى موقع الرئاسة شاغرا، متمنيا ذكر ذلك».
ماذا يعني ذلك؟ يؤشر ذلك على ان الاستحقاق الرئاسي ليس في سلم اولويات الغرب المشغول بأمور تتصل بمصالحه الاستراتيجية في المنطقة، ولا سيما مواجهة «داعش» وكل الكلام الذي يردد هو لازمة لا يؤمل منها خيرا على المستوى الرئاسي. فالغرب يبحث في كل شيء الا الرئاسة التي صار الكلام حولها تحصيل حاصل لا يرقى الى مستوى الفعل الجدي، انما يصنّف في دائرة التراخي المتعمّد الذي يطيل امد الشغور ويفتح الباب على شغور آخر.
الواضح ان فك اسر الاستحقاقات اللبنانية، الرئاسية والنيابية، بقدر ما هو مسؤولية لبنانية لان الفرقاء لم يظهروا انهم قادرون على ادارة شؤونهم بأنفسهم واتخاذ القرارات بمعزل عن التوجيه الخارجي، فهو ايضا مسؤولية خارجية ببعديها الاقليمي والدولي، لان المؤشرات المتجمّعة تؤكّد ان هناك ربطا متعمدا بين الوضع السوري والانفراج اللبناني، وما يدور في الجلسات المغلقة يشي بأن هناك من يربط جديا بين اتجاه الامور في سوريا وبين بدء الحلحلة للملفات اللبنانية. لا بل ان احد الديبلوماسيين لم يخف القول ان التسوية في سوريا هي المدخل لانجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان وان الربط قائم بين الاستحقاقات في البلدين على تنوعها.
إلا ان مسار الامور في لبنان، كما هو ظاهر، سيفضي الى انحلال كل المؤسسات بما يفتح نقاشاً دستورياً في العمق يدفع القوى السياسية للجلوس الى الطاولة مجددا والبحث عن تسوية جديدة ربما تكون طائفا جديدا، وهذا الامر ليس متعذرا لان الطائف الاول انجز في ظل حروب لبنانية دموية ومدمرة واحتلال اسرائيلي لاجزاء واسعة من الارض اللبنانية، وبالتالي ليس صعبا انعقاد طائف ثان وعلى الارض اللبنانية برغم التهديدات الارهابية المتعاظمة.