منذ سؤال الأمين العام لـ “حزب الله” ماذا ستفعلون بعد ذوبان الثلوج، لم يعد أحد يتمنى أن تذوب، طالما أنها تحمي لبنان الآن من هجمات الارهاب الآتي من جرود عرسال. أصبح الكل يتحدّث عن الربيع المقبل باعتباره موعداً لـ “حرب القلمون” التي يريدها الايرانيون حاسمة في تصفية بؤرة مزعجة لتحركات قوات النظام السوري و”حزب الله”. فمقاتلو “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” محاصرون فيها ولا يستطيعون شنّ أي معارك للسيطرة على مواقع للنظام، بسبب طبيعة المنطقة ومحدودية امكاناتهم العسكرية، لكنهم برهنوا القدرة على مهاجمة مواقع للجيش اللبناني و”حزب الله”، كما أنهم يستخدمون العسكريين الأسرى كدروع بشرية أو للابتزاز. لكن، بالطبع، هناك القلق من وجود خلايا لهم داخل لبنان، ومن احتمال قيامهم بعمليات متزامنة بهدف السيطرة على مناطق آهلة والتحصّن فيها.
على هذه الخلفية يراد وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب، واذا كان الخطر الداهم هو ما يحتّمها فإن طرحها ومناقشتها تأخرا. ومع ذلك لا بدّ منها. الرئيس سعد الحريري وضعها في سياق محدد هو الدولة والجيش وقوى الأمن وفي ظل رئيس للجمهورية. أما السيد حسن نصرالله فيراها فقط في تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، وقال انه يمكن الاتفاق عليها خلافاً للاستراتيجية الدفاعية. هذا التبسيط من جانب نصرالله لا يعني جهله عدم وجود توافق داخلي على “تنسيق” كهذا أو أهمية الاطار السياسي لأي استراتيجية مزمعة، بل انه يدعو الى عدم تعقيد المسائل طالما أن القيادة الايرانية هي التي ستقرر في نهاية المطاف، وهي فكّرت وخططت وتدبّرت وما على الداخل اللبناني سوى أن يبارك ويواكب وينفّذ ما يُطلب منه في خطة مواجهة الارهاب.
هناك من لا يزالون يحلمون اذ يقولون إن هذه الاستراتيجية تفترض “عودة حزب الله” من سوريا للوقوف مع الجيش والشعب ضد الارهاب، وهو كان ذهب في تصدّيه المزعوم للارهاب في سوريا (والعراق واليمن… وجبال قنديل!) الى حدّ استدراجه المؤكد الى لبنان. بل يعتبر “الحزب” أن اللبنانيين أخطأوا حين لم يذهبوا معه الى سوريا، لذا فهو يريد توريط الجيش خارج الحدود ليثبت أنه على حق. ومع أن “الحزب” أصبح هو نفسه جاذباً للارهاب، فإنه يريد استراتيجية يكون قادراً على التحكّم بها بصفته “ضابط الارتباط” بين الجيوش والميليشيات كافة. ولهذا السبب تحديداً لا يمكنه أن يربطها بانتخاب رئيس لا يكون هو من اختاره وعيّنه. فمرشحه “القوي” يعطي مشروعية لدوره الايراني – السوري ويزكّي مغامراته ويبررها، كما سبق أن دافع عنه في الاغتيالات والجرائم الموصوفة. وأي رئيس توافقي من شأنه، على الأقل، أن ينأى بنفسه عن انتهاكات “حزب الله” للدولة والدستور والتعايش.