Site icon IMLebanon

هل يكون “حزب الله” أكثر وعياً من الحوثيين فيجنّب لبنان تجرّع كأس اليمن المُرّة؟

هل كُتب للبنان أن يدفع كل مرة ثمن أمنه واستقراره من سيادته واستقلاله وحريته لا بل من وجود دولة قوية فيه لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها؟

في عهد الرئيس فؤاد شهاب اضطر اللبنانيون إلى أن يدفعوا ثمن استعادة الأمن بعضاً من حرياتهم عندما خيّروا بين أن يكون لهم أمن كثير وحرية قليلة، أو أمن قليل وحرية كثيرة، فقبلوا بالأمن الكثير ولو على حساب الحرية الكاملة لأنهم كانوا قد ذاقوا الأمرين من حوادث 1958 التي أدخلت الأسطول السادس الأميركي إلى مياه لبنان ليس لوقف تلك الحوادث إنما لسد الفراغ الأمني والسياسي في المنطقة بعد انهيار “حلف بغداد”، وكان سبب هذا الانهيار قيام صراع أميركي – بريطاني على النفوذ في المنطقة.

وفي عهد الرئيس شارل حلو دفع لبنان من سيادته وسلطته ثمن الأمن بقبول “اتفاق القاهرة” علّه يحافظ على ما تبقى من سيادة وسلطة للدولة. لكن التنظيمات الفلسطينية في لبنان أبت إلا أن تهزّ الأمن وتنتهك سيادة الدولة وسلطتها، فكانت حرب السنتين التي تحولت حرب الآخرين على أرضه ودامت 15 سنة. وفي عهد الرئيس الياس سركيس اضطر لبنان إلى القبول بوصاية سورية عليه دامت 30 عاماً شرطاً لاستعادة أمنه واستقراره، فضحّى لبنان بسيادته واستقلاله وحرية قراره وقبل أن يكون دولة مستعارة بأمن مستعار… وعندما تخلّص لبنان من الوصاية السورية بانتفاضة شعبية عرفت بـ”ثورة الأرز” عاد يدفع ثمن سيادته وحريته بقبوله مكرهاً بقاء سلاح “حزب الله” وكل سلاح خارج الدولة حرصاً على الأمن والاستقرار وعلى الوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي.

يقول النائب السابق فارس سعيد منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار في هذا الصدد في حديث له: “منذ عام 2005 ، قدم فريق 14 آذار للفريق الآخر كل ما لديه من وسائل من أجل قيام تفاهم معيّن، و”حزب الله” يفرض على لبنان معادلة قديمة بدأت بها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969 واستمرت مع الميليشيات، بدءاً بعهد الرئيس سركيس وانتهاء بعهد الرئيس إميل لحود وفي ظل الوصاية السورية. واليوم أصبحت بين الحرس الثوري الايراني والدولة اللبنانية، ومعادلة “اعطونا جزءاً من السيادة نعطِ لبنان جزءاً من الاستقرار”، وهي معادلة عاشها لبنان منذ عقود بكل تفاصيلها ما جعل اللبنانيين منذ العام 1969 يعطون لكنهم لا يحصلون على جزء من السيادة والاستقلال. وقد أُدخلت قوى 14 آذار في هذه المعادلة وهذا الابتزاز بفرض السلاح غير الشرعي الذي يتساكن مع السلاح الشرعي المتمثل بالدولة اللبنانية. وأعطت 14 آذار “التحالف الرباعي” والحكومة التي تـلفت بعد العام 2005 ودخل “حزب الله” للمرة الأولى فيها، ثم أعطت أيضاً من خلال “اتفاق الدوحة” وقالت إن السماء تتسع للجميع، وذهبت إلى شعار “سين سين” واقترحت مؤتمراً للمصالحة والمسامحة، وذهبت باتجاه حكومة وحدة وطنية برئاسة تمام سلام. وكل مرة كانت 14 آذار تعطي بالمفهوم السيادي ظناً منها أنها ستحصل على جزء من الاستقرار والسيادة فاذا بها تخسر الاثنين معاً”…

إن “حزب الله”، بحسب قول الدكتور سعيد، يعيش أزمة كبيرة ناتجة من قتاله في سوريا وفي المنطقة، وهو يحتاج إلى أن يعود إلى البيت اللبناني وإلى النموذج اللبناني من العيش المشترك. وما دام هذا البيت اللبناني موجوداً فقد يعود إليه، ولكن إذا أطيح به فلن يعود اليه، ومسؤولية 14 آذار هي الحفاظ على هذا البيت حتى يستوعب مشاكل الناس ومن ضمنهم “حزب الله”.

الواقع أن تصاعد الحملات على نحو غير مسبوق، ليس بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” فقط، إنما بين ايران والسعودية يطرح سؤالاً يخشى أن يكون الجواب عنه تكرار تجربة اليمن في لبنان بحيث يقوم “حزب الله” بما قام به “أنصار الله” والحوثيون في اليمن ويتحول لبنان ساحة جديدة للصراع بين السعودية وإيران، وهو صراع فتح هذه الساحة عندما اعتبرت سوريا أن أمن لبنان من امنها وأمن سوريا من أمن لبنان. وها إن ايران تكرر القول نفسه فتعتبر أمنها من أمن لبنان وأمن لبنان من أمنها…

لكن “حزب الله” قد يكون أكثر وعياً من “أنصار الله” والحوثيين الذين ظنوا أن في استطاعتهم الاستيلاء على الحكم في اليمن بقوة السلاح وبانقلاب على الشرعية ظناً منهم أن العرب هم في وضع مربك في الداخل يجعلهم يخافون أو يعجزون عن المواجهة، وإذا بهم يفاجأون بصحوة عربية تقودها السعودية التي فقدت صبرها وهي ترى التمدد الايراني يكاد يبلغ حدودها فقررت اللجوء إلى عمل عسكري نادراً ما لجأت إليه وهي معروفة بديبلوماسيتها الهادئة وطول أناتها.

فهل بات على اللبنانيين أن ينتظروا نتائج الصراع على النفوذ بين ايران والسعودية ليخرجوا من أزمة الانتخابات الرئاسية بعدما كانوا ينتظرون توقيع الاتفاق النووي، والتي قد تنتهي بتسويات وصفقات، أم يقرّر اللبنانيون بأنفسهم ما عليهم أن يفعلوا ولا ينتظرون أي خارج؟