تتساءل أوساط في قوى 14 آذار لماذا يشارك “حزب الله” كل مرة في طاولة الحوار ثم يتنكر للقرارات التي تصدر عنها، وما الذي تغير الآن ليصبح الحوار مجدياً وقراراته ملزمة؟
في اعتقاد الأوساط نفسها أن “حزب الله” كلما شعر بضيق وهو يواجه الاحداث والتطورات الداخلية والخارجية، يلجأ الى الحوار الذي يمنحه فترة استراحة وفرصة للتنفس. فعندما كان يواجه مشكلة المحكمة الخاصة بلبنان وأصابع الاتهام توجه الى عناصر تابعة له في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه لم تتطلب مناقشة موضوع المحكمة في هيئة الحوار سوى دقائق، وتمت الموافقة على إنشاء هذه المحكمة ليظهر الحزب أمام الملأ أن الأمر لا يعنيه. وعندما بدأ البحث في تفاصيل إجراءات إنشائها ظهرت العراقيل، بدءاً باستقالة الوزراء الشيعة من الحكومة… وعندما صدرت القرارات الدولية التي تدعو الى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا اكتفى الحزب في جلسة الحوار بإبدال كلمة “ترسيم” بكلمة “تحديد”. وعندما بدأ البحث في التنفيذ لم يساند الحزب موقف الحكومة الداعي الى مباشرة هذا التحديد من مزارع شبعا لأنها نقطة الخلاف الرئيسية بين لبنان وسوريا واسرائيل، لأن سوريا أصرت على أن يبدأ تحديد الحدود من الشمال وليس من الجنوب لتبقى مزارع شبعا نقطة خلاف تتذرع بها اسرائيل لتبقي احتلالها لهذه المزارع التي لا تزال موضوع خلاف على ملكيتها حتى الآن، وترفض سوريا تقديم الوثائق الخطية التي تثبت ان ملكيتها هي للبنان إلا بالكلام والتصريحات فقط. وعندما حاولت الحكومة تنفيذ قرار هيئة الحوار الوطني إزالة الاسلحة الفلسطينية خارج المخيمات تمهيداً لضبطها في داخلها، لم يساند الحزب موقف الحكومة استجابة لرغبة سوريا المستفيدة من بقاء هذا السلاح حيث هو كي تحركه ساعة تشاء وفي الوقت المناسب وكلما احتاج اليه.
وعندما أخذ التحقيق الدولي يتقدم في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، ابتدع الحزب ومن معه قضية “ملف شهود الزور”، فكان ذلك كافيا لتعطيل جلسات مجلس الوزراء ومعها جلسات هيئة الحوار… وعندما سُرّ الرئيس السابق ميشال سليمان بصدور “إعلان بعبدا” عن هيئة الحوار في قصر بعبدا وبالاجماع، وبنت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي سياستها على أساسه وذلك باعتماد سياسة “النأي بالنفس”، إذا بـ”حزب الله” يقرر منفردا المشاركة في الحرب السورية الى جانب النظام ضد خصومه، ما انعكس سلبا على الوحدة الوطنية الداخلية وعلى العيش المشترك وكاد ان يهدد السلم الاهلي لولا المظلة الدولية التي تحمي أمن لبنان واستقراره. وعندما فرضت أحداث 7 ايار عقد مؤتمر في الدوحة لإخراج لبنان من أزمته الحادة التي حالت دون تشكيل حكومة ودون انتخاب رئيس للجمهورية ودون إجراء انتخابات نيابية، كان الحزب ومن معه اول من فجّر تلك الحكومة باستقالة الوزراء الممثلين لهم مخالفا اتفاق الدوحة، وقضى بالتالي على مبادرة “السين – سين” التي كانت تعالج مشكلة السلاح خارج الدولة وتداعيات محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الحريري ورفاقه بالتوصل الى تحقيق مصالحة وطنية شاملة يعود لبنان بعدها الى ما كان من وحدة داخلية قوية وسلم اهلي ثابت ودائم.
بعد إيراد سلسلة هذه الاحداث التي كان “حزب الله” يوافق فيها على قرارات هيئة الحوار ثم يخالفها وكأنه يكرر القول للمتحاورين: “اكتبوا ما شئتم في البيانات ونحن نفعل ما نشاء”… فإن السؤال المطروح هو: هل تكون نتائج الحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” كتلك التي اسفرت عن حوارات سابقة فظلت القرارات التي صدرت عنها من دون تنفيذ، أم إن “حزب الله” يجد الآن نفسه في وضع آخر فرضته التطورات الجارية في المنطقة وباتت له قراءة مختلفة لها، ولا سيما في سوريا حيث سقط الرهان على انتصار النظام كما سقط الرهان الآخر على إطاحته، وبات الحزب في وضع من يريد الخروج من الحرب في سوريا بقرار لبناني كما دخلها بقرار إيراني ويعود حزباً كسائر الاحزاب في لبنان، قوته بشعبيته وليس بسلاحه، ليبدأ في لبنان ومع الرئيس الجديد قيام جمهورية لها جمهورها ولها سلطتها وهيبتها وقدرتها على حماية السيادة والحرية والاستقلال، وعلى تطبيق القوانين على الجميع بعدالة ومن دون تمييز، فيلتزم الحزب هذه المرة ما يتم الاتفاق عليه في الحوار الثنائي وفي أي حوار أوسع، ويصبح في الإمكان تنفيذ كل قرارات هيئة الحوار الحالية والسابقة؟