يبدو أن المظلة الدولية لا تحمي الأمن في لبنان فقط، إنما تحمي الاستقرار السياسي والاقتصادي أيضاً بدليل تأييد التمديد لمجلس النواب تجنباً للفراغ ولتأمين انتخاب رئيس للجمهورية، وليس سوى “حزب الله” من يستطيع خرق هذه المظلة لأنه يملك أوراق التعطيل الحكومي والنيابي والرئاسي، وإذا لم يستخدم هذه الأوراق في الوقت الحاضر فلأنه لا يريد خرق هذه المظلة إلا في الوقت الذي تحدده ايران.
لقد تبين ان حسابات “حزب الله” تختلف عن حسابات “التيار الوطني الحر”، فموقفهما لم يكن واحداً لا عند التمديد الاول لمجلس النواب ولا عند التمديد الثاني، ولا حتى عند التجديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
ويستطيع اذا شاء ان لا يتضامن معه في الانتخابات الرئاسية اذا صار اتفاق على مرشح توافقي للرئاسة الاولى وظل العماد ميشال عون مصرا على ان يكون وحده المرشح ولا أحد سواه.
يقول مسؤول كنسي في هذا الصدد ان “حزب الله” يتحمل مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية لأن تضامنه مع “التيار الوطني الحر” أدى الى هذا التعطيل، فلو لم يتضامن معه كما فعل عند التمديد لمجلس النواب لما كان حصل شغور رئاسي بل كان حضور 95 نائبا يضاف اليهم حضور نواب الكتائب كافيا لانتخاب رئيس للجمهورية، واذذاك يخيّر نواب “تكتل التغيير والاصلاح” بين الحضور للمشاركة في انتخابه أو عدم الحضور كما فعلوا رفضا للتمديد. وتساءل: لماذا يتضامن “حزب الله” مع “التيار الوطني الحر” في مقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ولا يتضامن معه في رفض التمديد لمجلس النواب؟ أفلا يعني ذلك ان الحزب هو المسؤول عن استمرار الشغور الرئاسي لأن له اهدافاً يرمي اليها؟ فالتمديد لمجلس النواب ينتهي اجله عند اجراء انتخابات نيابية، ووجود حكومة الرئيس تمام سلام ينتهي عند انسحاب وزراء الحزب منها، اما ملء الشغور الرئاسي بانتخاب رئيس جديد فمن شأنه ان يمنع حصول اي فراغ مجلسي أو حكومي، اذ ان صلاحيات الرئيس تعطيه حق تشكيل حكومة جديدة، وحق الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية، وهذا ما يجعل لاستمرار الشغور خطورة ابقاء ابواب الفراغ الشامل مفتوحة.
لذلك فإن “حزب الله” اذا كان لا يريد أن يبقى الفراغ الشامل يهدد البلاد، فما عليه سوى الاتفاق مع الاحزاب والكتل الاخرى على انتخاب رئيس للجمهورية، لا أن يبقى انتخابه معطلاً ليظل قادراً على تعطيل عمل مجلس النواب وتعطيل عمل الحكومة ساعة يشاء.
ان امتحان حقيقة نيات “حزب الله” حيال لبنان يكون في انتقاله بعد التمديد لمجلس النواب الى البحث في انتخاب رئيس للجمهورية، لأن انتخابه يسد كل الابواب المشرعة لاحداث فراغ في اي سلطة. ومن دون اجراء هذا الانتخاب فإن الابواب تبقى مفتوحة على هذا الفراغ.
والسؤال المطروح هو: هل ينتظر “حزب الله” قرار ايران في الموضوع، وهو قرار لا يصدر الا بعد التوصل الى اتفاق على الملف النووي أو على دور ايران في المنطقة، لا سيما في العراق وسوريا واليمن.
ان تحرك الرئيس نبيه بري في اتجاه الاحزاب والكتل لاستمزاج آرائها في اسماء المرشحين المستقلين للرئاسة الاولى هو الذي يكشف حقيقة النيات ولاسيما نيات “حزب الله”، فاذا كان يريد انتخاب رئيس للجمهورية فانه يقرر حضور جلسة انتخابه كما حضر جلسة التمديد لمجلس النواب ولم يتضامن مع حليفه العماد عون المقاطع لانتخاب الرئيس وللتمديد. أما اذا كان لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، فإنه يظل متضامنا مع عون، وهذا معناه ان ايران ليست جاهزة بعد لاتخاذ قرار في هذا الشأن، ويكون قول العماد عون في حديثه الصحافي الاخير في محله عندما اجاب عن سؤال: هل يترك الانقسام حول التمديد تداعيات على العلاقة مع “حزب الله”؟ بالقول: “ان ما يجمعنا مع الحزب أمتن من ان يفرقه التمديد. ومن يظن انني سأصبح ضد المقاومة فهو واهم ولا يعرفني جيدا، واذا كانت تجمعنا وثيقة تفاهم مع “حزب الله” فاننا والحزب اصبحنا اليوم في مرحلة تكامل الوجود لاننا نواجه معا خطرا تكفيريا”. واضاف: “ان تحالفنا مع السيد نصر الله لا يستند الى مصالح متحركة بل الى قناعات ثابتة”، وهو “يتفهم موقفه من التمديد لأنه ليس جاهزا نفسيا لخوض الانتخابات النيابية في ظل التحديات التي يواجهها”.
الى ذلك، يمكن القول ان العماد عون يقبل أي موقف لـ”حزب الله” لا يلتقي وموقفه الا في موضوع الانتخابات الرئاسية، فما دام الحزب معه في هذا الموضوع فهو مع الحزب، والا كان لكل حادث حديث. فهل يبقى عون مع “حزب الله” اذا صار موقف الاخير مختلفا عن موقفه في موضوع الانتخابات الرئاسية كما حصل في التمديد لمجلس النواب؟ يقول عون واثقا: “ان من يعتقد بان الحزب سيتخلى عنه في الانتخابات الرئاسية لا يعرف طبيعة العلاقة الاستراتيجية بينه وبين السيد نصرالله”. فهل ما يؤكد ذلك هو ان الشغور الرئاسي سوف يستمر ليبقى خطر الفراغ الشامل قائما؟!