Site icon IMLebanon

هل يكون المجلس السياسي  بداية جديدة لـ14 آذار..؟

رمزية 14 آذار ستبقى شاهداً على تاريخية ذلك اليوم المشهود في تاريخ لبنان، الذي غيّر مجرى الأحداث، وتحوّل الى منعطف لأحداث وتطورات تركت بصماتها على صفحات لبنان وسوريا، وأطلق أول نموذج للربيع العربي، بنسخته السلمية، النقيّة، الراقية، والبعيدة عن مهاوي العنف والاقتتال الداخلي.

جرائم الإغتيالات المتلاحقة، ومسلسلها الدموي الذي استهدف نخبة من أهل الفكر والسياسة والإعلام، لم تفلح في إخراج حركة 14 آذار عن مسارها السلمي والسيادي، فكان الإصرار على النهج الإستقلالي، والتمسّك بفرادة الشراكة بين اللبنانيين، تكبر يوماً بعد يوم، رغم أن الشهداء كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر، في عمليات تفجير وغدر كان هدفها إجهاض مسيرة ولادة الاستقلال الثاني للبنان.

هذه الرمزية كانت حاضرة في «المؤتمر الثامن لقوى 14 آذار»، الذي عُقد في البيال يوم السبت الماضي، ولكن بكثير من الخجل، حيث اقتصرت مسودة البيان السياسي على العناوين العريضة لقضايا شبعت درساً وتمحيصاً، وغابت عنها موضوعات ذات حضور مؤثر في الحياة اليومية لجمهور 14 آذار خاصة، ولكل اللبنانيين بشكل عام، مثل بنود برنامج سياسي واضح، وقادر على إخراج البلد من سلسلة الأزمات التي يتخبّط فيها، وفي مقدمتها هذا الشغور المُعيب في رئاسة الجمهورية.

غابت عن مسودة البيان أيضاً عناوين المعالجات العاجلة للملفات الاقتصادية والمعيشية التي ترزح تحتها البلاد والعباد، وفي مقدمتها: محاربة الفساد المستشري في الإدارات والمؤسسات العامة بشكل غير مسبوق، أو الإصلاح الإقتصادي وخطوات وقف الهدر السرطاني في مؤسسة الكهرباء، أو المطالبة بوضع برنامج وطني شفاف لإستثمار ثروة النفط والغاز، إلى آخر الهموم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي تقضّ مضاجع اللبنانيين، وخاصة جمهور 14 آذار!

* * *

من المفارقات التي تشكّل مصدر قلق متزايد للآذاريين، أنه كلما اشتدت الحاجة إلى قيادة وطنية عابرة للطوائف والمناطق، ومتوافقة على مبادئ السيادة والإستقلال، والحرية والديمقراطية، ومسلّمة بانتمائها العربي، ومتمسّكة بصيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، التي قد تتحوّل إلى نموذج لأكثر من بلد في المنطقة، كلما شعر الناس أن جبهة 14 آذار تفقد وهجها، والخلافات الحزبية والأنانيات الشخصية تُباعد بين قياداتها، والزخم الشعبي حولها يضعف ويتراجع، وخيبات أمل الجيل الشبابي تكبر وتزداد تعقيداً.

أصوات الشباب والشابات المعترضة، بل المندّدة، لأداء قيادة 14 آذار، هزّت قاعة اجتماع المؤتمر الثامن، والذي تحوّل في بدايته إلى مناسبة لإطلاق احتجاجات الجيل الشبابي المصدوم والمهمّش، فيما كانت الأصوات التقليدية تهتمّ بالإنتقادات الشكلية للبيان، نصّاً ولغة، دون أن تُعير المضمون الإهتمام اللازم، كما فعل الشباب والشابات في مداخلاتهم.

المهمّ في الطروحات الشابّة أنها على قساوة بعضها، كانت تنتهي غالباً بالتأكيد على الحفاظ على حركة 14آذار، وتطوير طروحاتها، وإفساح المجال أمام التفاعل المطلوب بين القيادة والقاعدة العريضة.

مما يعني أن وجود «قوى 14 آذار» ما زال يشكّل ضرورة للأجيال الصاعدة، أكثر على ما يبدو من بعض الأطراف السياسية، لأن معركة السيادة والإستقلال والديمقراطية الحقيقية لم تنتهِ بعد، بل لعلّها في ذروة المواجهة حالياً، بعد هذا الإصرار العنيد على تعطيل الإنتخابات الرئاسية، على أمل التوصّل إلى إمكانية فرض مرشح فريق من اللبنانيين، على كل اللبنانيين، على نحو ما أعلنه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في نفس يوم انعقاد مؤتمر «البيال»: عليهم أن يختاروا بين العماد عون رئيساً أو استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية!.

* * *

ربّ قائل أن الوضع المترهّل لفريق 8 آذار، ليس أحسن حالاً من قوى 14 آذار، ولكن هذا الواقع لا يمنع من القول بأن المجموعة الثانية، مطالبة بالعودة إلى جمهورها، والعمل على تفعيل حركتها السياسية لتكون على مستوى الآمال المعلّقة عليها.

ولعلّ الإعلان عن تشكيل المجلس السياسي لقوى 14 آذار، يكون بداية جديدة لإعادة الزخم المنشود في حركة هذه الجبهة العريضة، ومنعطفاً جدّياً لتجديد دماء القيادة عبر إشراك الجيل الشبابي في مهمّات التعبئة والإعداد والإعلام، بهدف استعادة الجماهير الواسعة التي هجرت هذا المسار بعدما فقدت الأمل بإمكانيات التفعيل والتطوير، وهذا بالضبط ما عبّرت عنه إحدى الشابات بجرأة في المؤتمر، معلنة عزوفها وجيلها عن المشاركة في أية تظاهرة أو نشاط قبل إصلاح الخلل الحالي!

الواقع أن ثمّة تحديات كبيرة وصعبة تواجه قوى 14 آذار، تماماً مثلما هو الحال مع الفلقة الأخرى من الإنقسام 8 آذار!

ومواجهة هذه التحديات والتغلّب عليها، يتطلّب أولاً وقبل كل شيء، إعداد برنامج سياسي شامل وواضح، طال انتظار الجمهور المليوني له، يستطيع أن يسترد الزخم الجماهيري الواسع لجبهة 14 آذار، ويفتح الآفاق أمام مصالحة وطنية حقيقية، لا تستطيع أطراف 8 آذار أن تتحمّل مسؤولية رفضها.

فهل يكون المجلس السياسي هو البداية الجديدة،

وهل يكفي الإعلان عن هذه الخطوة لإرضاء الجمهور الغاضب من الأداء السابق؟