IMLebanon

هل المشكلة مع إيران في الملفّ النووي؟

 

وماذا إذا توصّلت إيران إلى إتفاق مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً في شأن ملفّها النووي؟ هل مشكلة العرب والمجتمع الدولي مع ايران مرتبطة بالملفّ النووي أم بأمور أخرى تذهب إلى أبعد بكثير من الملف وحتّى من إمتلاك «الجمهورية الإسلامية» القنبلة الذرّية؟

لم يعد إحتمال توصّل إيران إلى إتفاق مع المجتمع الدولي ممثلاً بالدول الست (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) مستبعداً، خصوصاً أن طهران على عجل من التخلّص من العقوبات الدولية التي أرهقت إقتصادها. تبدو طهران مستعدّة لمثل هذا الإتفاق، حتّى لو بدت في وضع من قبل الشروط الأميركية… 

زاد تأثير هذه العقوبات مع هبوط أسعار النفط الذي كشف هشاشة الإقتصاد الإيراني. تبيّن أنّ هذا الإقتصاد يعتمد على عائدات النفط أوّلاً وأخيراً وأنّ كل ما قيل عن طموح الثورة الإيرانية التي قامت في العام ، أي قبل ستة وثلاثين عاماً، إلى تنويع مصادر الدخل الوطني كان كلاماً للإستهلاك الداخلي ليس إلّا. كان الكلام عن الإستعاضة عن النفط ورفض البقاء تحت رحمة مداخيله مجرّد شعارات برّاقة، على غرار الكلام عن إزالة اسرائيل من الوجود. 

في السنة ، تعتمد ايران على دخلها من النفط والغاز أكثر من أي وقت. أكثر من ذلك، ما يزيد على نصف شعبها يعيش، بكلّ أسف، تحت خط الفقر.

ما تعاني منه المنطقة كلّها، بما في ذلك الشعب الإيراني نفسه والدول العربية بشكل عام، هو سياسة ايرانية تقوم على فكرة الهيمنة ونشر البؤس بدل التعاون المجدي بين الدول والشعوب. 

أمّا الهمّ الذي اسمه الملفّ النووي، فهو همّ اسرائيلي أوّلاً، كما أنّه همّ أميركي واوروبي مرتبط بانتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرقين الأوسط والأدنى وفي منطقة الخليج. فأميركا والدول الأوروبية تعرف أن حصول ايران على السلاح النووي هو بمثابة اشارة الإنطلاق لبدء سباق تسلّح في المنطقة كلّها. هناك ثلاث دول على الأقل، هي المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا، ستسعى عندئذ بكلّ الوسائل إلى امتلاك هذا السلاح بأيّ ثمن كان.

بالنسبة إلى اسرائيل، يوفّر الملف النووي الإيراني فرصة كي تبتزّ العالم والظهور في مظهر الضحيّة. أكثر من ذلك، إن تشديدها على الملفّ النووي يعفيها من البحث في الموضوع الأساسي المتعلّق بها، أي موضوع احتلال الأرض الفلسطينية. من المفيد لإسرائيل خلق مشاكل في المنطقة تغطي على إرهاب الدولة الذي تمارسه والمتمثّل في العمل على تكريس احتلالها لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ومنع الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلّة على أرضهم.

لتتوصلّ مجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً إلى إتفاق مع ايران في شأن ملفّها النووي. هذا لن يؤخر ولن يقدّم، خصوصاً إذا اعتمدت الولايات المتحدة سياسة ترفض الممارسات الإيرانية في المنطقة وتسعى بالفعل إلى وضع حدّ لها بدل تشجيعها.

لتقم أميركا علاقات أكثر من طبيعية مع ايران. أين المشكلة في ذلك؟ المشكلة في ما تطمح إليه ايران عن طريق اثارة الغرائز المذهبية في منطقة تعاني من كلّ انواع التطرّف. المشكلة الحقيقية ليست في الملفّ النووي الإيراني الذي تستغلّه اسرائيل إلى أبعد حدود. المشكلة في إدارة أميركية تختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.

تمتلك الإدارة كمّية من السذاجة تجعلها تعتقد أنّ ايران جمعية خيرية وأنّ في الإمكان الدخول معها في شراكة في الحرب على «داعش». كيف يمكن لإيران محاربة «داعش» وما على شاكلة «داعش»، فيما تفعل كلّ شيء من أجل ايجاد حاضنة للإرهاب لهذا التنظيم الإرهابي في كلّ من سوريا والعراق وبعض لبنان وفي مواقع أخرى وصولاً إلى سيناء وليبيا…

من يمارس السياسات التي تمارسها ايران في العراق، إنّما يوفّر أكبر خدمة لـ»داعش». من يشارك النظام السوري، بشكل مباشر أو عن طريق ميليشيات مذهبيّة لبنانية وعراقية وعناصر افغانية، في ذبح الشعب السوري، إنّما هو حليف ضمني وموضوعي لـ»داعش».

لم يعد مهمّاً التوصل إلى إتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. المهمّ المقاربة الشاملة لمشاكل المنطقة التي في اساسها السياسة الإيرانية التي تصبّ في خدمة كلّ من يسعى إلى تغذية التطرّف والعنصرية، بمن في ذلك اسرائيل التي باتت تراهن على أنّ القضية الفلسطينية لم تعد سوى قميص عثمان تستخدمه ايران للتغطية على ما تقوم به في المنطقة.

باختصار شديد، الملفّ النووي الإيراني قضية ثانوية مقارنة مع ما تقوم به ايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، على سبيل المثال وليس الحصر. 

هل همّ اللبناني الملفّ النووي الإيراني، أم سلاح «حزب الله» غير الشرعي الذي يُستخدم في تخريب البلد ومؤسساته والمتاجرة به… ومنع مجلس النوّاب من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

هل همّ اليمني الملفّ النووي الإيراني والوصول إلى إتفاق بين واشنطن وطهران، أم همّه الحقيقي استعادة بقايا مؤسسات الدولة وتوقّف الحوثيين، أي «انصار الله»، بدعم ايراني عن العمل على إقامة دولة خاصة بهم في شمال اليمن على حساب ما بقي من وحدة البلد؟

فجأة إكتشف وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن ايران لعبت دوراً في إسقاط الحكومة اليمنية. أتبع كلامه بأنّ في الإمكان حصول تعاون بين ايران والولايات المتحدة في محاربة «داعش». كلّ ما يصدر عن كيري كلام بكلام. هذا ليس عائداً فقط إلى طبيعة تركيبة الإدارة الأميركية الحالية التي همّشت وزير الخارجية والوزارة. هذا عائد أيضاً إلى أن «القاعدة» ستنتعش أكثر في اليمن بسبب «انصار الله»، المدعومين من ايران، وممارساتهم. عندما ستعي الولايات المتحدة هذا الواقع، سيكون البلد الذي يعاني حالياً أزمة عميقة في حال تجاذب بين تطرّفي الحوثيين و»القاعدة»…

يمكن لإتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني أن يغيّر الكثير. يمكن للتغيير أن يكون ايجابياً، كما يمكنه أن يكون سلبياً إلى حدّ كبير. سيكون ايجابياً، في حال تغيّرت ايران وبدأت تتصرّف كدولة طبيعية في المنطقة وليس كقوة احتلال في العراق وسوريا ولبنان وجزء من اليمن وصاحبة مطالب وحقوق وشروط في البحرين…

الخطير أن يؤدي الإتفاق إلى نتائج سلبية، في حال اعتبرت ايران أن الإتفاق سيطلق يدها في المنطقة. عندئذ سترى في الإتفاق اعترافاً بها كقوّة اقليمية نجحت بالهاء الولايات المتحدة بالملفّ النووي في وقت كانت تعمل على تركيز وجودها وتثبيته في كلّ مكان تستطيع الوصول إليه. 

قد يغيّر الإتفاق المحتمل الكثير نحو الأفضل أو نحو الأسوأ، كما قد لا يغيّر شيئاً. يظلّ السؤال هل يمكن لإيران أن تتغيّر؟ الجواب أنّه لا يمكن لإيران سوى أن تتغيّر في عالم لا تزال الكلمة الأولى والأخيرة فيه للإقتصاد. ولكن في إنتظار أن تتغيّر ايران كم الثمن الذي ستدفعه المنطقة وشعوبها نتيجة ممارسات نظام تقوم كلّ فلسفته على بيع الأوهام عن طريق نشر التطرّف؟…