يصدر، في 29 من الجاري، القرار النهائي في قضية الطفلة إيلا طنوس التي بُترت أطرافها الأربعة قبل أربعة أعوام، بسبب أخطاء طبية تشاركت في ارتكابها ثلاثة مُستشفيات وثلاثة أطباء. أهل الطفلة الضحّية يعوّلون على القضاء لإصدار حكم يُنهي «تنزيه» الأطباء عن الأخطاء، ويدكّ «حصانة» المُستشفيات التي لديها «يد طايلة في القضاء»، وفق ما أبلغ أحد المعنيين في نقابة الأطباء والد الطفلة. فهل ينتصر القضاء لإيلا حرصاً على عدم تكرار مأساتها؟
«أُريد أن أعلّق الحكم على الحائط لأُريه لابنتي عندما تسألني، بعد أعوام، ماذا فعلتِ في قضيتي؟». هكذا خاطبت والدة إيلا طنوس القاضي المنفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين، في الجلسة التي سبقت المرافعة القضائية النهائية التي عُقدت في 27 حزيران الماضي، في قضية ابنتها التي فقدت أطرافها الأربعة بسبب خطأ طبي أثبتته ثلاثة تقارير طبية. الجواب كان ردّاً عن سؤال القاضي لها عن الحلّ الذي يرضيها، في ظلّ اقتراحات تسوية كانت تنهال عليها من قِبل خصومها المتمثلين بثلاثة أطباء وثلاثة مُستشفيات (مستشفى المعونات، مستشفى أوتيل ديو، ومُستشفى الجامعة الأميركية).
ويُصدر تقي الدين قراره النهائي في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، بعدما مضى على عمر القضية أكثر من أربع سنوات، امتهن خلالها الخصوم مختلف أنواع المماطلة وتمييع الحق.
والد الطفلة، حسّان طنّوس، قال لـ«الأخبار» إنّ قرار المحكمة النهائي هو «امتحان للقضاء ليُثبت أنه جدير بالثقة التي وضعناها فيه، وفرصة لإرساء مبدأ الردع لتجنّب تكرار الأخطاء الطبية وتجنيب الكثير من العائلات المعاناة التي مررنا بها».
عندما قرّر طنوس خوض معركته، كان يُدرك حجم النفوذ الذي يتمتع به خصومه. قيل له، حرفياً، من قِبل معنيين في نقابة الأطباء إنّ «يد المُستشفيات والأطباء طايلة في القضاء»، وعليه التسوية «لأن بالقضاء ما رح يطلعلك شي قبل 10 سنين». رغم ذلك، مضى الأب في رحلة مواجهته مُعوّلاً على القضاء، ساعياً إلى ترسيخ مبدأ المُحاسبة والإصلاح وخلخلة ثوابت الحماية التي يحظى بها الأطباء الذين يخطئون.
ثلاثة تقارير طبية أثبتت مسؤولية المستشفيات والأطباء عن مأساة إيلا
وكانت إيلا عانت، على مدى خمسة أيام، من ارتفاع في الحرارة، بقي خلالها الطبيب ع. م. مُصرّاً على تشخيصه بأنها عوارض انفلونزا، ورفض إجراء الفحوصات التي تثبت عكس ذلك (وفق رواية الأهل). في اليوم السادس، تدهورت حال الطفلة فأُدخلت إلى مُستشفى المعونات. إلّا أن الطبيب لم يحضر وكلّف إحدى الطبيبات المتدرجات متابعة الحالة، فيما لم يكن هناك طبيب طوارئ مداوماً. لذلك، مكثت الطفلة في قسم الطوارئ ٩ ساعات نتيجة عدم توفر طبيب يقدّم لها العلاجات المطلوبة، ما ساهم في إصابتها بما يُعرف بـ«الصدمة الإنتانية» (حالة طبية خطيرة ناجمة من تطور الالتهاب وتستدعي تقديم المضادات الحيوية بسرعة ووضعها في العناية المركزة). مُنحت الطفلة في المستشفى المضاد الحيوي بعد تأخير دام ١٤ ساعة، فيما تفيد المعلومات أنها لم تخضع للرقابة أثناء الليل ولم يتم تزويدها بالأوكسيجين ما أدّى إلى تدهور حالتها من «إنتان» إلى «إنتان شديد». في اليوم السابع، حضر الطبيب وأصرّ على تشخيصه وتركها في المستشفى قبل أن يتوجه إلى عيادته. بعد اتصال الوالد به عاد ظهراً ليبلغه بأن وضعها صعب وعليهم نقلها إلى مستشفى يضمّ قسم عناية أطفال. ووفق رواية الأهل، لم يؤمن المستشفى للطفلة التي كانت تبلغ حينها تسعة أشهر سيارة إسعاف لنقلها، كما لم يسعَ إلى تأمين سرير لها في مستشفى آخر. توجه الوالد إلى مستشفى أوتيل ديو الذي رفضت إدارته استقبالها، فقصد مستشفى الجامعة الأميركية، حيث أخطأت الطبيبة المسؤولة بعدم استشارة طبيب الأوردة والشرايين، فأُعطيت الطفلة الـdopamine ما أدى إلى تدهور حالتها.
عندما أُثيرت قضية الطفلة عام 2015، عمد وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور إلى تشكيل لجنة طبية خلصت في تقريرها إلى أن هناك «خطأ في التشخيص الطبي 3 مرات في مُستشفى سيدة المعونات»، طالباً من القضاء استيضاح ما إذا حصل إهمال من قِبل الطبيب أو المُستشفى. بتاريخ 10/06/2015، أوعز قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق بتشكيل لجنة طبية برئاسة نقيب الأطباء شرف بو شرف، خلص تقريرها أيضاً إلى أنه أن هناك تأخير في إعطاء المُضادّات الحيوية في مُستشفى المعونات فضلاً عن تأخّر التشخيص ومعالجة الصدمة الإنتانية، وإلى أن طبيب الأطفال ك.ا. في مُستشفى أوتيل ديو رفض فحص الطفلة للتأكّد من أن وضعها يسمح بنقلها، فضلاً عن رفض قسم الطوارئ تفقّدها وإجراء العلاجات المناسبة لها رغم بقائها هناك أكثر من عشر دقائق في وضع حرج. وفي «الأميركية»، تبيّن أن هناك «تأخراً في وقف العلاج المُضيّق للأوعية بالرغم من التحسّن البيولوجي والسريري»، و«تأخّر تشخيص ومعالجة غنغرينة الأطراف المتناظرة»، و«تأخر تشخيص العقدية المقيحة (عقديات المجموعة ألفا)». ولفت التقرير إلى مسؤولية وزارة الصحة «التي يتعيّن عليها الإشراف على وحدات رعاية الطوارئ كافة وتوفير خدمات نقل المرضى مع تجهيزات ملائمة».
إلّا أن أحد أعضاء اللجنة، وهو رئيس قسم طب الطوارئ في «الأميركية»، رفض توقيع التقرير معتبراً أنه يقدّم معلومات «منقوصة» و«مخالفة للواقع». وأعدّ تقريراً منفصلاً خلُص فيه إلى أن «التأخير في علاج الصدمة الإنتانية واضطرب الخثر المنتشر داخل الأوعية في مُستشفى المعونات ومستشفى أوتيل ديو أدّى إلى تطور الحالة الصحية إلى الغانغرين المحيطي المتناظر».
وبمعزل عن الخلفيات التي تحكم «تنوّع» التقارير الطبية واختلافها، إلا أن هناك إجماعاً على وجود مسؤولية على هذه المُستشفيات، وإن تفاوت حجمها. وتتلّخص هذه المسؤوليات (وفق خلاصات التقارير الثلاثة) بتأخير إعطاء المضادات الحيوية 14 ساعة للطفلة في مُستشفى المعونات حيث لم يُقدم الطبيب ع. م.، على مدى 7 أيام، على إجراء فحص الـ cpr أو فحص الـ streptocok a، وتمنّع مُستشفى أوتيل ديو عن إغاثة مريض بعدما رفض الطبيب هناك فحص الطفلة، وإفراط مُستشفى الجامعة الأميركية في استخدام الـ dopamine رغم تحسّن حالة الطفلة وعدم استشارة الطبيبة المسؤولة طبيب الشرايين والأوردة.