تركّزَت الردود المحَلية على خطاب السيّد حسن نصرالله الأخير، في نقطة واحدة، هي القرار 1701، وأجمعَت ردود «14 آذار» على أنّ كلامَه عن قواعد اشتباك جديدة يُعتبَر خرقاً للقرار 1701، في حين أنّ الأمين العام لحزب الله لم يأتِ على ذكرِه في أيّ جملةٍ من خطابه ولم يقترب منه إطلاقاً.
أبلغُ الأجوبة جاء على لسان الرئيس نبيه برّي: السيّد نصرالله لم يَذكر القرار 1701، والعملية التي نفّذَتها المقاومة حصلت على أرض لبنانية محتلّة، وعليه يؤكّد رئيس المجلس أنّه لم يستشعر من خلال كلام نصرالله أيّ نيّة لخرق القرار، وهذه هي حقيقة موقف المقاومة، مع العِلم أنّ إسرائيل خرقَت الـ1701 آلاف المرّات ولم يَسمع أحد اعتراضاً من الأشخاص أنفسِهم الذين تصدّروا مشهدَ الرّد على كلام «السيّد».
الردود المحَلّية أصبَحت «تقليدية»، و«حزب الله» اعتاد عليها، وأصبح يتعامل معها بمبدأ الأذن الطرشاء. ليس الأمر من باب الاستعلاء أو الازدراء، بل لأنّ بعض الردود تأتي جاهزةً أو معَلّبة بمنطق واحد يُحمّل المقاومة مسؤولية أيّ حدَث على الحدود، ويعفي إسرائيل من التهمة!
ماذا قصدَ السيّد نصرالله عندما تحدّث عن «أنّ المقاومة لم تعُد تعترف بأيّ قواعد اشتباك»؟ وهل هذه الخطوة تشمل القرار 1701؟
من المفيد في معرض الإجابة عن هذه الأسئلة العودة إلى سياق الأمور في الخطاب. فقد أوردَ نصرالله فقرةً كاملة من كلامه ضمَّنَها رؤيَة «حزب الله» للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على لبنان والمقاومة، وبعدما وضعَ موقفاً واضحاً من استعداد المقاومة للردّ القاسي على أيّ اعتداء يتعرّض له عنصر أو كادر أو قائد، قال: «نحن لم نعُد نعترف بأيّ قواعد اشتباك».
هل المطلوب أن تسكتَ المقاومة عن اغتيال عناصرها وكوادرها وقادتها؟ وهل عليها البقاءُ في الدائرة التي رسَمتها إسرائيل؟ وهل كلّما اعتدَت إسرائيل أو اغتالت أو نفّذت عدواناً، فإنّ شكلَ ردّ المقاومة وحجمَه سيأتي ضمن قواعد الاشتباك التي تتوقّعها؟
لم يخرج كلام السيّد عن كونه جزءاً من قوّة الردع في وجه أيّ اعتداء. قبل كلامه كانت المقاومة قد نفَّذت عملية عسكرية ناجحة ومحترفة خارج سياق عمل القرار 1701، ولو أنّ ثمّة نيّة لدى الحزب بالخروج من التزاماته حيال هذا القرار، لنَفَّذت المقاومة عمليتها من أيّ مكان على الحدود الجنوبية، ومهّدَت لانسحاب الحزب من هذا الالتزام قبل أن يعلنَه السيّد في خطابه. ما حدثَ هو العكس تماماً، فقد ضمَّنَت المقاومة العملية في مزارع شبعا جملة رسائل، أبرزُها أنّها لا تزال تعترف بمنطوق القرار الشهير.
المقاومة ليست مضطرّة لتفسير كلّ كلمة تقولها في صراعها الطويل مع إسرائيل. بعض الكلام الذي قاله نصرالله يأتي في سياق عام لا يمكن اجتزاؤه، ولكنّه ليس مطالباً بالتفسير هل كان يقصد القرارات الدولية أم لا. هذا جزء من هامش المناورة الذي تمتلكه المقاومة، ويقع في أساسيات الحرب المفتوحة بين الطرَفين، وعملية وضعِ الطرف الآخر في حيرةٍ وإرباك وانعدام اليقين حيال قواعد الاشتباك هي جزءٌ من هذه الحرب.
الجندي الإسباني الذي قتِل إثر عملية مزارع شبعا قضى في مناطق عمل القرار 1701 بقصفٍ إسرائيلي واضح ولا لبسَ فيه، فلماذا لم نسمَع أحداً ممّن انتقدوا كلامَ نصرالله، يتلفّظ بكلمةٍ واحدة حيال هذه الحادثة؟ ألم تتزامَن الحادثتان؟ أم المطلوب تركُ إسرائيل تعتدي على المقاومة ولبنان، بلا ردّ أو عقاب؟
لقد فتحَ خطاب نصرالله النزاع مع إسرائيل على أشكال جديدة، وبهذا المعنى يكون قد عزّز منطقَ الردع بوجه العدوّ، لأنّ المقاومة لم تكن يوماً تعمل من أجل الحرب أو استدراج العدوان، وكلام «السيّد» يصبّ في خانة الردع نفسِه، لكن بطرُق وأساليب جديدة.