يُنذر التصعيد بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن أقدمية سنة لضباط دورة 1994، بعودة الاشتباك السياسي مع نهاية العام الجاري، وبما يؤشر إلى سخونة زائدة سيشهدها مطلع العام «2018»، مع ما لذلك من تهديد جدي للتسوية القائمة التي ينعم البلد بهدوئها منذ أكثر من سنة، بالرغم من مطب استقالة الرئيس سعد الحريري التي تم تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة، وبما أعاد إحياء هذه التسوية التي سيكون الجميع خاسرين، إذا ما أصيبت بتصدّعٍ جراء المواجهة المستجدة بين الرئاستين الأولى والثانية، والتي لا يبدو أنها وليدة أزمة الضباط، بقدر ما هي تراكمات منذ ما قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية بدعم من رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويُستدل من عودة التوتر على خط بعبدا عين التينة، أن الأزمة مرشحة للتفاقم على خلفية صلاحيات لا يريد أي طرف التنازل عنها، خاصةً وأن الرئيس بري يرفض تجاوزه في ملف الضباط، من خلال إصراره على توقيع وزير المال على هذا المرسوم، ما يعني بوضوح التمسك بهذا التوقيع إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة، وفي إشارةٍ أبعد إلى إصراره أيضاً على أن تكون وزارة المالية من حصته في الحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس عون، كذلك الأمر فإن رئيس المجلس يريد أن يبعث برسالة إلى رئيس الجمهورية بأنه يرفض المداورة في الحقائب الوزارية، وبالتالي الإصرار على أن تكون وزارة المال من حصته في أي حكومة جديدة ستشكل بعد الانتخابات النيابية.
وتعرب في هذا الإطار أوساط نيابية بارزة، عن اعتقادها أن عودة التساجل بين الرئاستين الأولى والثانية في ضوء كلام الرئيس عون الذي أطلقه من بكركي وما استتبعه من ردٍّ من جانب الرئيس بري، سيزيد بالتأكيد من حماوة المشهد السياسي ويُعتبر عاملاً إضافياً من عوامل تفاقم الأزمة السياسية التي قد تصبح مفتوحةً على كل الاحتمالات، ما سيزيد الضغوطات على الحكومة ورئيسها، بالتوازي مع تساؤلات بدأت تُطرح عن أسباب مطالبة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بتعديل قانون الانتخاب لإفساح المجال أمام تسجيل إضافي للمغتربين، وهو ما يرفضه الرئيس بري وحليفه «حزب الله»، في وقت اعتبرت أوساط مراقبة أن مطالبة باسيل بتعديل قانون الانتخاب، من شأنه أن يفتح الباب أمام مطالبات من أطراف سياسية أخرى بتعديلات مشابهة، ما قد يعيد الأمور إلى المربع الأول وبالتالي وضع عراقيل أمام إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وهذا من شأنه أن يرسم علامات استفهام حول مصير هذا الاستحقاق وما إذا كانت فعلاً هذه المطالبات بإدخال تعديلات على قانون الانتخاب، غايتها الدفع باتجاه تأجيل الانتخابات النيابية التي تخشاها أطراف سياسية كثيرة في البلد بالنظر إلى نتائجها التي قد لا تكون في مصلحتها، فيُصار حينها إلى التهرب منها على غرار ما حصل مع استحقاق الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان التي كان يجب إجراؤها في أيلول الماضي.
وترى الأوساط أنه لا بد من العمل من أجل تجاوز عقدة مرسوم الضباط، في إطار صيغة حل يجب العمل عليها بالتشاور بين الرئاسات الثلاث، تفادياً للدخول في مرحلة شديدة التعقيد، سترخي بثقلها على الأوضاع الداخلية وتعيد أجواء الاحتقان على نحوٍ لا يمكن التكهن بالنتائج المترتبة عنها، في وقت يمكن أن تكون الحكومة الضحية الأولى لتمدد الخلافات بين الرئاستين الأولى والثانية، في حال أصرّ كل طرف على التمسك بمطالبه ورفض تقديم التنازلات من أجل إفساح المجال أمام التوصل إلى الصيغة المرتجاة التي تكفل حقوق الجميع وتنقذ البلد من الدخول في النفق مجدداً، دون الأخذ بالحسبان التداعيات المرتقبة على التسوية التي يعيش لبنان في ظلها.