هواجس التسلح تتزايد لدى الطوائف والأحزاب
هل يشكّل دعم المسيحيين للجيش مدخلا للدولة؟
يكاد لا يعلو صوت اليوم على صوت المعارك والسلاح. هذه الطائفة تتسلح. ذاك الحزب يدرب مناصريه. تلك الجماعة تنفض الغبار عن ارثها العسكري. مجموعات تتحضّر تحت مسميات مختلفة.. مشهد مقلق بكل معاييره وخلفياته.
فاذا كانت “داعش” نجحت في بث الخوف والرعب من بربريتها، واقنعت اللبنانيين بسلوكها وممارساتها انها قادمة لقتلهم، او اجتياحهم و”تدجينهم” على اقل تقدير، فان ردات فعل “الجماعات اللبنانية” لا تدعو الى الطمأنينة.
عادت الطوائف الى مربعاتها الاولى. الشيعة يتصدرون المشهد ويفتخرون بتصديهم للتكفيريين من سوريا الى العراق ولبنان.
السنة منقسمون بين اقلية متعاطفة، واقلية مبررة.. واكثرية مرتبكة في كيفية المواجهة وادواتها.
الدروز خائفون. يمتد خوفهم من سوريا الى لبنان. وبات معلوما لدى الاجهزة الامنية ان بعضا من الشباب يتدربون على السلاح والمواجهات. ومقتل مهندس شاب من العبادية في خلال التدريبات جعل الجبل يضج بكلام اريد له ان يبقى همسا.
المسيحيون متهيبون. استعراضات كلامية ومواقف عنترية مبالغ فيها في بعض الاوساط. كلام اقرب الى الشائعات عن تدريبات لدى هذا الحزب او ذاك التيار. رغبة متجددة ومتصاعدة في التفتيش عن فرص للهجرة. وتمجيد يقارب التأليه للجيش اللبناني.
يتوقف احد السياسيين المسيحيين عند الدعم الكبير الذي يبديه المسيحيون اليوم للجيش محاولا تفسيره والبناء عليه. يقول “فيما تعتبر بعض الطوائف الاسلامية اليوم ان لها سندا عسكريا ما، يشعر المسيحيون اكثر فاكثر بحاجتهم الى حماية المؤسسة العسكرية”.
تعايش المسيحيون من سنة 1943 وحتى “حرب الالغاء” مع فكرة تعتبر ان هذا الجيش جيشهم. قائده منهم، ولهم في عديده الارجحية. وفي جمهورية قامت على سيبة رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان للموارنة، مظللة بـ”مجد لبنان” المعطى لبطريركهم، عاش المسيحيون مطمئنين الى لبنانهم وجيشه. يضيف السياسي “لذا حين جاءت المواجهة بين الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون والقوات اللبنانية، انحازت اكثرية المسيحيين يومها الى عون، على اعتبار ان هذا جيشهم، والامل الباقي ببناء دولتهم”.
في رأي هذا السياسي أنه “بغض النظر عن الثمن الذي دفعه المسيحيون جراء تلك الحرب، وبعيدا من كيفية استثمار عون لذاك التأييد والى اين اخذ من بعده المسيحيين، فان الفكرة تبقى اليوم صحيحة. المسيحيون يعتبرون الجيش ضمانتهم وسندهم في مواجهة كل خطر. هو مرادف للدولة بالنسبة اليهم. لكن المفارقة اليوم ان هذا الجيش ذات اغلبية مسلمة تفوق السبعين في المئة من عديده، وقائده لا يبدو منضويا تحت اي جناح من اجنحة الزعامات السياسية. ومع ذلك، يرى غالبية المسيحيين ان لا امكانية لمواجهة داعش والنصرة واي تطرف او ارهاب الا من خلال الجيش اللبناني، مما يفترض دعمه ومساندته”.
يعتبر السياسي ان “هذه خطوة يجب استثمارها والبناء عليها. يتجاوز المسيحيون الانقسامات اللبنانية وحساباتها ويبدون دعما كبيرا للجيش، اكان عناصره مسلمين ام مسيحيين. يثقون به الى حد المبالغة احيانا في تقدير بطولاته وقدراته. لذا بالامكان ان يشكل ذلك مدخلا لتلاقي اللبنانيين حول مؤسسة يجمعون على وطنيتها، كاجماعهم اليوم على وجوب مكافحة الارهاب والتصدي له. فلم لا يكون ذلك مدخلا ليتلاقى المسلمون، الذين لهم في المؤسسة العسكرية الارجحية، والمسيحيون، الذين يدعمونها في المطلق، تحت سقف هذه المؤسسة، ويواجهون من خلالها وباشرافها كل محاولات زعزعة الوضع اللبناني”.
يسارع السياسي الى التمييز بين “الرغبة في التسليم الكامل لحصرية الادارة العسكرية والامنية للجيش اللبناني، وبين وجوب الحوار والتفاهم السياسي وصولا الى مشتركات بعيدا عن الشؤون العسكرية”. ويقول “من المؤسف اليوم ان كلمة الحوار سُحبت من التداول فيما نحن بامس الحاجة اليها. نحتاجها لاعادة جدولة حياتنا السياسية وتفعيلها. نحتاجها لنترجم دعمنا للجيش ومواجهة الارهاب بسياسات واضحة ومتفق عليها. وكل ما عدا ذلك تضييع للجهود وتشتيت للقدرات وبناء على رمول متحركة”.