السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء التطورات الحاصلة، وما يتطلع اليه البعض من القوى السياسية، وعلى وجه التحديد فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، هو هل فشل اتفاق الطائف في إقامة الدولة المدنية العادلة أم لم يفشل، وهو البديل يكون بالتخلي عن النظام الديموقراطي البرلماني، لصالح النظام الرئاسي، وهل هذا ممكن ووفق أية أثمان..
ليس هناك من اجماع على ان اتفاق الطائف فشل، اولم يفشل.. وان كانت النتائج لم ترق الي ما يتطلع اليه عموم اللبنانيين خصوصاً وان المجالس النيابية التي أتت منذ العام 1992، أي بعد ثلاث سنوات من اعلان الاتفاق، وحتى اليوم لم تكن لتمثل الشعب اللبناني تمثيلا صحيحاً، سليما وخالياً من العيوب.. هذا مع الاشارة الي الاخطاء التي ارتكبت في مقاطعة أكثر من نصف اللبنانيين هذه الانتخابات.. الأمر الذي برأي الرئيس حسين الحسيني «أدى الى اضعاف المعتدلين، وبالتالي انتصر التطرف وضعف الاعتدال في كل الجسم اللبناني، لدى المسلمين كما لدى المسيحيين، وسائر الفئات، وبالتالي تراكمت الاخطاء..»؟!
ترتفع الاصوات مطالبة بإدخال تعديلات على الطائف، او على الأقل استكمال ما لم ينفذ منه.. لكن أحداً لم يقدم صيغة عملية قابلة للنقاش او تلقى اصداء ايجابية.. خصوصاً وأن المتمسكين بـ»الطائف كما طبق، هم أصحاب مصلحة في ابقائه من دون أي تعديل او تغيير.. خصوصاً وأن الجميع يدرك ان أي مشروع تسوية سيكون مفتوح الآفاق بالوسائل السلمية، لا بالمدافع ولا بالبنادق.. ومن اسف أنه وبعد نحو ثلاثين سنة على الاتفاق فإن أحداً لم يأت بجملة واحدة مفيدة.. لاسيما وأن قناعة كثيرين ان المس بالطائف يعني المس بالكيان وتعريض وحدة اللبنانيين..
هناك جدل يتصاعد يوماً بعد يوم حول صلاحيات رئيس الجمهورية.. واذا كان الطائف لم يطبق بكامله حتى اليوم، فالعلة هي في الظروف التي حالت من دون تطبيقه.. خصوصاً وأن الحكومة هي المسؤولة، ومجلس النواب هو المسؤول عن المساءلة والمحاسبة، بينما رئيس الجمهورية لا يسأل ولا يحاسب.. وفي السياق يقول الرئيس الحسيني أنه «عندما يكون رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لأمرة مجلس الوزراء فذلك لأننا إن أعلنا او إدعينا خلاف ذلك لجهة ان القوات المسلحة تخضع رئيس الجمهورية، نصبح عندها في نظام رئاسي ويصبح رئيس الجمهورية هو المعرض للمساءلة.. والمشكلة أنه في المجلس الأعلى للدفاع لم يوضع قانون تطبيقي له بعد.. ولم تتوضح مهامه.»؟!
لا يخفي الرئيس الحسيني ان «اتفاق الطائف» تعرض لضربات عدة، – من بينها أنه لم يستكمل بعد – لجهة تأسيس مجلس نيابي على قاعدة المواطنة لا الطائفية يكون لبنان فيها دائرة واحدة، وعدم تشكيل مجلس شيوخ يضمن تمثيل الطوائف والمذاهب.. كما ان لبنان تعرض بدوره لخمس ضربات بعد الطائف، الاولى كانت في مقاطعة المسيحيين لانتخابات العام 1992، والثانية كانت في القرار الدولي رقم 1559، الذي في رأي الرئيس الحسيني «شكل أكبر ضربة على لبنان لأنه يغفل مسؤولية القوى الدولية الكبرى الملتزمة بموجب اتفاق الطائف برعاية هذا الاتفاق الذي أصبح اتفاقاً لبنانيا – لبنانيا، ولبنانيا – عربيا، وعربيا – دوليا من أعلى المراجع.. غير ان القرار 1559 استثنى موضوع الجنوب ليبقى تحت الاحتلال وأعفى الدول الكبرى من مسؤوليتها في مراقبة تطبيق اتفاقية الهدنة، وأعفى سوريا من مسؤوليتها في حل الميليشيات وسحب الاسلحة كما نص اتفاق الطائف.. والضربة الثالثة فتمثلت في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. والضربة الرابعة في «الحلف الرباعي» بين آل الحريري ووليد جنبلاط والرئيس نبيه بري و»حزب الله» والضربة الخامسة كانت في «اتفاق الدوحة» حيث بات الملف الرباعي خماسياً بصم العماد ميشال عون الى الملف الرباعي..
يرى الرئيس الحسيني أنه في اتفاق الدوحة «حصل تعليق لقيام الدولة» وتكبيل لرئيس الجمهورية.. وما ساد انذاك هو مناخ حصر الترشيح بالعماد ميشال سليمان.. وكلهم سلموا ان العماد سليمان هو رئيس الجمهورية.. على رغم ان الدستور يمنع انتخاب قائد الجيش او حاكم مصرف لبنان، او رئيس مجلس القضاء الأعلى، او الذين يشغلون مناصب مماثلة إلا اذا استقال قبل سنتين من موعد الانتخاب، وكان المطلوب تعديل الدستور.. ومع ذلك حصل انتخاب الرئيس خلافا للدستور..
يخلص الرئيس الحسيني الى قناعة خلاصتها «اننا أمام حالة اغتصاب للسلطة.. وهذه الاحزاب التي في معظمها أحزاب طائفية ومذهبية، أحزاب غير صالحة لتكون هي الحل.. فتكوينها يستدعي الاستعانة بالخارج والاستقواء بالخارج على الداخل..».